هل من وجهة نظر خليجية ستشكل تهديدا لاستقرار المنطقة؟

لا .. أعدادهم قليلة وغايتهم إنسانية.. أما تهديد الأمن فيسببه اختلاف الرؤى

TT

هل ستشكل «أزمة أبناء الخليج» تهديدا لاستقرار المنطقة؟ السؤال يفترض أصلا وجود ما يسمى «أزمة أبناء الخليج»! وبافتراض وجود هذه الأزمة، فإن مختصر الإجابة من وجهة نظري هو «لا»، وطبعا، لا بد من تجلية وشرح وجهة النظر هذه.

أولا: الأصل ألا تكون «أزمة».. وعلى المدعي التأكيد على ذلك بالبينة والدليل. وكيف يمكن الخلوص إلى أدلة دامغة، والساحة تخلو من أرقام صحيحة موثوقة؟! وإذا كان العالم العربي في أحسن أحواله الرسمية لا يصدر أرقاما موثوقة على الرغم من كل الرسميات والاحتياطات التي يتخذها، فكيف بممارسة تعد من وجهة النظر الرسمية والشرعية والمنطقية غير مسموح بها، بل تدخل في باب المخالفات الكبرى التي تسبب لصاحبها عقوبات مغلظة قد تصل إلى السجن 20 سنة؟! ثانيا: لا ينكر عاقل مشاركة بعض أبناء الخليج في الحرب السورية – السورية! لكن ما حجم هذه المشاركة؟ وهل ستشكل «تهديدا» لاستقرار المنطقة؟ كيف تكبر هذه المشاركة حتى تصبح «تهديدا»، وكل هذا التطبيق الرسمي والشرعي والشعبي عليها!.. كل ذلك من باب المستحيل، أو في أحسن الأحوال «المبالغة والتهويل»! ولنتأمل المشاركة الشعبية الخليجية إبان فترة الحرب الأفغانية - الروسية في ثمانينات القرن الماضي، وقد حظيت بدعم رسمي ومباركة شعبية وموافقة أميركية، وشارك فيها مئات أو ألوف الشباب الخليجي عموما، والسعودي على وجه الخصوص.

أقول مع كل ذلك الزخم الكبير.. لا أحسب أن لحضور «المجاهدين» الخليجيين أثرا واضحا في مجريات المعارك وإدارتها، فضلا عن تهديده لاستقرار المنطقة. كان شبابنا الغض جنودا في ساحات يديرها الأفغان وكبار المجاهدين العرب (من غير الخليجيين) بالتوجيه والتوعية والتحريض على القتال. ولم يسجل تاريخ تلك الحقبة تهديدا جلبه الشباب الخليجي المجاهد، بل سجل خروجهم بكل هدوء من ساحات القتال إلى ربوع أوطانهم، وقليل منهم من تخلّف، وقليل آخرون استشهدوا.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، والنتائج بالنتائج تقارن، فإن تهديد استقرار المنطقة من قبل الشباب الخليجي الحاضر في ساحات سوريا القتالية أمر غير وارد.. ذلك أن حضورهم العددي ضعيف وحضورهم التأثيري أضعف. وأحسب أن رغباتهم في البقاء طويلا بعد انتهاء المعارك ستكون ذات أثر ضعيف.

ثالثا: ما الذي يدفع شابا خليجيا إلى سلوك هذه المغامرة الخطرة على حياته، على الرغم من كل التحذيرات الرسمية والنداءات الشرعية؟ قطعا ليس حب الدنيا، وقطعا ليس حبا في الجاه والرئاسة، ولا رغبة في الصيت والشهرة.. إنه تفاعل قلبي إنساني في غالب الأحوال، فهو يشاهد صورا دامية وأجسادا نازفة وأطفالا موتى وأعينا باكية يحصدها الظلم والقهر والقتل بالجملة، وبناء على ذلك تتحرك هذه الأجساد الغضة تحسب أنها تلبي نداء الدين والأخوة في الله. وقليل من هؤلاء من يحمل نيات مخالفة طامعة في عرَض من الدنيا أو مكانة أو جاه. أغلب هؤلاء لا يعنيهم سوى دحر العدوان والظلم والقتل، فإن اندحر فرحوا وعادوا إلى أوطانهم كما فعلوا في بلاد الأفغان.

رابعا: تهديد الأمن الإقليمي أو المحلي لا ينتج إلا من خلافات في الرؤى تصل إلى درجة الاختلاف الحاد أو الفصام النكد بين الشركاء في الوطن الواحد أو الإقليم الكبير. وفي أفغانستان حدث ذلك، فأصابهم ما أصابهم من فرقة وضغائن أدت إلى ضياع هيبتهم وزوال شوكتهم وتهديد أمنهم. والمحصلة اليوم ما نرى بعد أكثر من ربع قرن من الخلاف والاختلاف. أما شباب الخليج فليسوا من هذه الشاكلة.. ذلك أن أهدافهم مرتبطة بالسماء أكثر من الأرض.. أحسبهم كذلك ولا أزكي أحدا منهم على الله.

خامسا: الحديث عن استقرار المنطقة قد تجاوز أوانه وليس سابقا له. فالمنطقة قد آلت إلى «حيص بيص» منذ الشرارة الأولى في درعا، التي أشعلها النظام البعثي بكل غباء وصلف وتهور.. فامتدت آثارها إلى كل التراب السوري، ومنه إلى المناطق المحيطة به، بدءا بلبنان مرورا بالأردن والعراق وتركيا، والله وحده يعلم أين ستتوقف آثار هذه الشرارة الشيطانية الخبيثة! وأخيرا أعلن السيد الأخضر الإبراهيمي «أسفه الشديد» لأنه لم يكن على مستوى توقعات الشعب السوري، إذ لم يقدم لهم أمنا يستظلون به، ولا طعاما يشبعون منه. ومعنى ذلك استمرار الفتك والقتل والإبادة الجماعية لهذا الشعب الأعزل الصابر المرابط، بكل فئاته، المقاوم للظلم والطغيان والاستبداد، والذي قل نظيره في التاريخ المعاصر.

وأخيرا، آمل ألا يفهم مما سبق تبرير مشاركة شباب الخليج في هذه الحرب غير المتكافئة، لكنه شرح للصورة وآثارها من وجهة نظر قد تصيب وقد تخطئ.. والله نسأل أن يحفظ كل شبابنا من هذه المهلكة العظمى، وأن يقي الشعب السوري مآلات انتصار النظام البعثي الحاقد في نهاية المطاف.

* أستاذ جامعي وكاتب سياسي سعودي