هل تتوقع أن تشكل الانتخابات الرئاسية المقبلة بداية جديدة لمصر؟

لا.. الواقع الجديد للقوى السياسية المصرية أنها كلها في حالة انحسار

TT

يمكن التماس عذر للعسكريين المصريين عن أنهم تدخلوا في السياسة بعد تخلّي حسني مبارك عن منصب رئيس الجمهورية يوم 11 فبراير (شباط) 2011 تحت الاحتجاج المليوني على أخطاء (لدى البعض خطايا) سياساته.

وعذر العسكريين أن القوى السياسية المناوئة لتيارات الإسلام السياسي كانت في وضع من الضعف لا يمكّنها من دور في الفترة الانتقالية التي كانت اختيارا ضروريا بعد انهيار الواجهة السياسية لنظام مبارك. وتمثلت تلك الواجهة في مبارك وابنه جمال، الذي كان جاهزا للمنافسة على أرفع منصب سياسي، وقادة الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان حاكما.

تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد في اللحظة التي تخلّى فيها مبارك عن منصبه. وحتى بمرور الوقت لم يكن باديا في الأفق أن القوى السياسية المدنية قادرة على الوصول إلى تصور مشترك لعملية انتقال ناجحة تشجّع العسكريين على الانصراف لواجبهم المحدد في القانون، والمتمثل في الدفاع عن استقلال الوطن وسلامة أراضيه.

والبادي أن الاختيار الوحيد الذي كان متاحا أمام العسكريين هو التحالف مع القوة السياسية الوحيدة القوية في البلاد، وكانت يومها الإخوان المسلمين. وكان من ثمار هذا التعاون أن تشجع المصريون على المضي مع ركب الإسلاميين فجعلوا حزب النور - في أول انتخابات تشريعية - ثاني أكبر حزب بعد حزب الحرية والعدالة؛ الذراع السياسية للإخوان المسلمين.

وكان من شأن ضعف القوى السياسية المدنية أن كل الاختيارات كانت خاطئة.

كان من الخطأ أن يتحالف العسكريون مع الإخوان المسلمين. صحيح أن العسكريين تحالفوا مع «الإخوان» تحت ضغط أن تكون هناك واجهة سياسية بدلا من الواجهة التي انهارت ضمانا لعودة الاستقرار إلى البلاد، لكن الصحيح أيضا أن البروز الذي لم يكن مبررا للجماعة سوى من زاوية الرغبة في الاستقرار شجع على عودة تيارات العنف السياسي إلى العباءة التي خرجت منها، قبل أن تلجأ إلى العنف في الثمانينات والتسعينات. وهذا أثار ذعرا في الساحة السياسية المصرية. ولقد رأينا الرئيس (الإخواني المعزول) محمد مرسي يحضن ويقبل قياديا بارزا في تيار العنف على مرأى ومسمع من الناس في مناسبة وطنية باستاد القاهرة. وكان هذا القيادي قد نفى عن نفسه أنه نبذ العنف خلال المراجعات التي شهدتها السجون في عهد مبارك.

وكان من الخطأ أيضا أن يتحالف «الإخوان» مع العسكريين، لأن القوى السياسية المدنية رأت في هذا التحالف نفيا لها واغترابا قد يطول، وهذا ما دعاها لإبداء استعداد للمساعدة في تقويض الجماعة.

وكان تحالف «الإخوان» مع القوى السياسية المدنية ممكنا بعد مبارك لأن العسكريين ما كانوا يريدون أكثر من نظام سياسي مستقر يضمن لهم وضعية مميزة في الاقتصاد اكتسبوها عبر السنين.

وفي دولة تركتها انتفاضتها نهبا للاضطراب السياسي، وما ترتب عليه من انفلات أمني تسبب في تدهور اقتصادي، كان محتّما أن يظهر التصدع مع ثبوت خطأ الاختيارات. ومضى التصدّع بالبلاد إلى عزل مرسي وما تبعه من الفض الدموي للاعتصامات والمظاهرات، ثم بروز تيارات العنف من جديد.

والحقيقة أن التصدّع أضعف الجميع حتى إن أبدى هذا الجانب أو ذاك قدرا من التماسك النفسي أو قدرة عليه. ولأن القوى السياسية المدنية المصرية لم تكن قادرة على الوقوف خلف اختيار سياسي، بدا مطلوبا بعد مبارك، فإنها لن تكون قادرة اليوم على الوحدة خلف مرشح رئاسي حتى إن كانت تأكدت من أن نفيها زال واغترابها لم يعد قائما بعد تحطيم جماعة الإخوان.

فالواقع الجديد للقوى السياسية جميعا أنها في حالة انحسار.

لقد أيّدت القوى السياسية المدنية تحرك الجيش ضد «الإخوان»، لكنها تخاف اليوم من أن يكون مستقبلها محفوفا بالمخاطر في وقت لم يعد فيه للعسكريين شريك كبير. فالقوى السياسية المدنية والإسلامية صارت على قدر متساوٍ تقريبا من الضعف.

من الطبيعي أن مصر - باعتبارها أقدم دولة في التاريخ وصاحبة أقدم حضارة في العالم - قادرة على أن تفاجئ الناس بجديد مثير، لكن المعطيات تقول إن القوى السياسية المدنية فيها أضعف اليوم من أن تقع على اختيار تتفق عليه، حتى إن كان خاطئا. وهذا من معالم الوضع السياسي الصعب في هذه الدولة الكبيرة.

* كاتب ومحلل سياسي مصري