هل يمكن استمرار العراق كما نعرفه مع فوز المالكي بولاية جديدة؟

نعم.. إذا تمكن المالكي من نسج تحالفات داخلية مفيدة واستفاد من علاقاته الإقليمية

TT

في الانتخابات العراقية الأخيرة رشح كما يبدو أن رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي هو الأقوى بين المتنافسين على السلطة، وهو يتقدم من عداه بمسافة شاسعة.

وانطلاقا من التقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي للسلطة في العراق، وهو التقسيم الذي أقر للمسلمين الشيعة بالحق برئاسة الحكومة مع الصلاحيات الواسعة المعطاة لهذا المنصب، بما في ذلك قيادة القوات المسلحة، فإن الموقع الأقوى في السلطة العراقية هو موقع رئيس الوزراء، وذلك إلى الحد الذي بات متداولا به عرفا، بأن رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي للدولة. ولكن سلطته مقيدة بأكثر من جانب بقرار مجلس النواب الذي له حصرا الحق بإقرار الموازنة التي تنظم شؤون الإنفاق في الدولة. وبالتالي، إن اكتمال السلطة لصالح رئيس الحكومة تفرض تمتعه بأكثرية نيابية تمكنه أولا من تشكيل الحكومة، وثانيا من إصدار القوانين والقرارات التي يريد من مجلس النواب، فإن لم يتحقق ذلك تكون السلطة التي يتولاها شكلية أو مشلولة أو معطلة بشكل ينعكس على أكثر من مرفق من مرافق الدولة ويعرض استقرارها السياسي، وتاليا الأمني للخطر.

وفي الواقع الذي يرتقب بعد الانتخابات الأخيرة، فإن أمام نوري المالكي خيارين:

الاحتمال الأول تمكنه من تحقيق حلمه بتشكيل «حكومة أكثرية سياسية» يستند فيها إلى أكثرية سياسية وطنية تمثل شرائح سياسية متفقة على برنامج عمل وطني واحد، وتعمل جميعها ككتلة سياسية واحدة لا يمارس أحد من مكوناتها سياسة التعطيل والعرقلة. أكثرية لا تشمل جميع الفئات السياسية بل تفرض وجود كتلة حكم مقابل كتلة معارضة، وتحاكي في ذلك ما يجري في البلدان الديمقراطية البرلمانية العريقة، كما هو حال بريطانيا مثلا، حيث يوجد في الساحة فريقان... فريق في السلطة وفريق معارض.

وهنا أقول إن احتمال وصول المالكي إلى تحقيق هذا الحلم رهن بأمرين: الأول، حصوله على نسبة عالية من مقاعد البرلمان. ويبدو أنه رغم عدم الإعلان الرسمي للنتائج، فإن التسريبات تقود إلى تحقق ذلك. والأمر الثاني تمكنه من نسج تحالف مع جزء من المكون الكردي وبعض أصوات المكون الشيعي وضمان تأييد نسبة معينة من المكون السني. ويبدو لي أن نجاح المالكي في هذا المجال أمر غير مستبعد، خصوصا، مع الإغراءات التي سيقدمها للسنة، والضغوط على بعض الشيعة والجماعات المصلحية الكردية. وإذا استطاع المالكي ذلك فإنه سيتجه إلى حسم كثير من الأزمات التي واجهت ولايته الثانية وأدت إلى شل الحكم. وقد يكون في هذه الحالة مضطرا إلى الحسم السياسي والحسم الأمني، مستفيدا من علاقات إقليمية قائمة في الجوار لصالحه، خصوصا مع إيران وسوريا وفي ظل رضا أميركي غير بعيد. وهنا قد تشهد العراق في المرحلة الأولى نوعا من المواجهات السياسية والأمنية التي لا بد منها بالنسبة للمالكي للإمساك بالأمور.

أما الاحتمال الثاني، فيتمثل بفشله في تشكيل حكومة الأكثرية السياسية، وهو أمر لا يمكن إسقاطه من الحساب. وهنا سيكون المالكي أمام امتحان صعب يفرض عليه الاختيار بين: إما التراجع عن البرنامج الذي خاض الانتخابات على أساسه، وهو تشكيل «حكومة سياسية» والقبول بالعودة إلى صيغة «التحالف الوطني» وإشراك الجميع في الحكومة على ما في هذا من مساس بمصداقيته، أو الاستنكاف عن تشكيل الحكومة والقبول بشخص آخر قريب منه، وهنا ستعود الأمور إلى الحالة السابقة مع تفاقم للمشكلات الأمنية وانعدام الاستقرار السياسي، أو تعطيل تشكيل الحكومة أصلا واستمراره هو في مهمة تصريف الأعمال. وفي كل ذلك مساس باستقرار البلاد.

ورأينا في الحصيلة النهائية أن المالكي لا يستطيع المجازفة مجددا بتشكيل حكومة من صيغة الحكومة القائمة، وأن حظوظ تشكيل الحكومة ذات أكثرية سياسية وطنية هي الأقوى، خصوصا، إذا تجرأ على تنفيذ بعض ما يضمره ويسرب عنه من نية لإسناد منصب رئاسة الدولة إلى مسلم عربي سني بعد انتزاعها من الأكراد.. وهنا يقيم تحالفا وثيقا في السلطة التنفيذية بين السنة والشيعة، مما ينعكس إيجابا على استقرار العراق، ولا سيما، إذا تمكن من ترتيب علاقاته الإقليمية الأخرى أسوة بما هي عليه الآن مع إيران وسوريا. وخارج ذلك فإن استقرار العراق سيكون تحت علامة استفهام كبيرة سواء جاء المالكي بحكومة ائتلاف وطني أو ظل خارج السلطة.

* باحث استراتيجي وضابط متقاعد وأستاذ جامعي لبناني