هل يتوجب إيجاد آليات محدّدة لمواجهة الاختلافات السياسية بين بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي؟

لا..المجلس انطلق من فكرة التعاون لا التضامن ما يوحي باستقلالية كل عضو

TT

أولا: لست متأكدًا من تضمين ميثاق أو نظام «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» بنودًا واضحة تنص على إلزامية توحيد التوجيهات السياسية لأعضاء المجلس. والذي يخيل إلي هو أن المجلس انطلق من فكرة التعاون لا التضامن، بمعنى أن المصطلح نفسه يوحي باستقلالية كل عضو من أعضاء المجلس، وبالتالي، لا توجد مظلة جامعة توحّد السياسات وترسم الأطر وتحدد التوجهات.

التعاون في أصله غير مُلزم إلا إذا اتفقت عليه المصالح، ورأى فيه كل عضو مصلحة واضحة من باب «الكل رابح»، ولذا فإن قرارات المجلس تُتخَذ بالإجماع... حتى في القضايا التي يظن أنها بسيطة أو هامشية لا تحتاج إجماع القادة الستة وتوقيعهم عليها، مثل اعتماد إلغاء تأشيرات الدخول على مواطني المجلس أو اعتماد بطاقة الهوية الوطنية بديلا عن جواز السفر.

ثانيًا: تجاوز عمر «المجلس» 30 سنة، ومع ذلك لم يشهد هذا التاريخ الطويل إنجازات حقيقية جوهرية باعتراف القادة أنفسهم بسبب آلية اتخاذ القرار المتوقّفة على موافقة الجميع، ما يعني أن «الفيتو» الواحد يحيل القضية المعروضة إلى سجلات الحفظ وكتب التاريخ. ومثال ذلك العملة الخليجية الموحّدة التي انتهت بموافقة النصف ومعارضة النصف الآخر. وحتى الاتفاقية الأمنية الموحّدة ما زالت تراوح بين الاعتراض والموافقة منذ سنين طويلة. وعندما عُرضت مسألة الاتحاد الخليجي بين الدول الأعضاء أعلنت سلطنة عُمان رفضها بصراحة كاملة ومن دون تردّد. الاستشهاد بالتاريخ والعودة إلى السجلاّت مهم جدًّا للاسترشاد بما حدث وبما يمكن أن يحدث.

ثالثًا: الوحدة السياسية تعني، غالبًا وبالضرورة، الوحدة الجغرافية، وهذه القضية غير مطروحة حاليًّا على «أجندة» المجلس، كما أن إقرارها يعني تغيير هيكلية المجلس تمامًا. وحتى «الوحدة الأوروبية»، وهي الأقوى في التاريخ المعاصر، توقّفت عند الإطار الاقتصادي والتجاري ومقتطفات من أسس التعليم الجامعي وحقوق الإنسان وصلاحيات البرلمان الأوروبي وفتح الحدود. أما المواقف السياسية فتظل مستقلة، بل، ومتباينة أحيانًا... كما في حالة الحرب على العراق التي أيدتها بريطانيا وعارضتها فرنسا.

باختصار، ليس ثمة نموذج قائم يمكن الاسترشاد به دليلًا لتوحيد المواقف السياسية طالما كانت الدول مستقلة ذات كيان لا يرتبط عضويًّا بكيان أكبر... في حدود ما تقتضيه مصلحته ورؤيته وفلسفته.

رابعًا: للوحدة السياسية مقتضيات لا بد من تحقّقها أولًا، وعلى رأسها الوحدة الاقتصادية الحقيقية وما تعنيه من انفتاح واسع وحرّية حركة لا قيود عليها. وعندما يتحرّك رأس المال كيفما شاء، وتتوحّد الإجراءات والتنظيمات وآليات التحاكم وفضّ المنازعات وإقرار العقوبات وغيرها. ومن مقتضيات الوحدة الاقتصادية توحيد الأهداف الكبرى وتجانس الاقتصادات المختلفة لتكون متماثلة نسبيا، وحلّ مشكلات البطالة والحدّ من توغّل القوى البشرية الوافدة. وما يُقال عن الاقتصاد يمكن أن يتدرّج إلى الصحة والتعليم والبنية الأساسية التحتية والفوقية، وما إلى ذلك.

وحتى نكون صرحاء وشفافين يجدر بنا ألا نضع العربة أمام الحصان. والحصان هنا هو الموقف السياسي الواحد لكنه لن ينطلق بنجاح من دون عربة زاخرة بالنجاحات الاقتصادية والتنظيمية والتعليمية وحتى الثقافية.

خامسًا: الموقف السياسي الموحّد أمنية كلّ خليجي شريطة أن تكون الممارسة التشاورية دائمة وثابتة... غير مرتبطة بحالة مؤقتة أو برؤية ضيقة. ليس من الحكمة أن يكون الموقف السياسي الموحّد مجرد أداة لبلوغ غاية محدّدة، وإنما يفترض أن يكون غاية في حد ذاته.

* أكاديمي وكاتب سعودي