هل تتوقع أن يكتفي المجتمع الدولي بالرد اللفظي على تجديد رئاسة بشار الأسد؟

نعم .. ردود الفعل الدولية السلبية تكررت.. فطمأنت الأسد إلى قدرته على فعل ما يشاء

TT

ليست عبارات من قبيل أن بشار الأسد ونظامه «أفضل السيئين» في سوريا، أو أن ما يجري في سوريا هو «صراع بين سيئين» (Bad guys)؛ إلا إشارة واضحة إلى أن بقاء الأسد ليس خيارا سيئا بالنسبة للأميركيين والقوى الكبرى عموما! ربما هذه ليست قناعة كثيرين من السوريين فحسب، بل هي أيضا ترددت عبر كتاب أميركيين عد أحدهم الإحجام عن التدخل الفعال إنما هو «تصويت لصالح الأسد». ثم أخيرا، ما قاله روبرت فورد، السفير الأميركي السابق لدى سوريا، في «تشريحه» السياسة الأميركية التي أدت إلى بروز مجموعات على شاكلة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في سوريا، بالإشارة إلى هذه المجموعات التي كانت وبالا على الثورة السورية، بل قدمت خدمة كبيرة للنظام السوري بشتى الأشكال.

ضمن هذا السياق، الذي قد يصفه البعض بأنه «سوداوي» أو «متشائم»، يمكن أن نتوقع ما الذي يمكن أن يرد به المجتمع الدولي، وبالأخص القوى الكبرى المنخرطة ضمن ما يعرف بـ«مجموعة أصدقاء الشعب السوري»، على الانتخابات الرئاسية الهزلية التي أجراها النظام السوري في المناطق الخاضعة لسيطرته.

إن إصرار بشار الأسد على المضي في سياساته ومحاولاته ترسيخ «أمر واقع» - ليس نتاجا لما يدعي أنها انتصاراته، بل هو مسلك مبني على شعور عام بأن غاية ما يمكن أن يرد به الغربيون هو مزيد من التعبير عن «القلق»، ومزيج من الاستنكار والدعوة للحل السياسي! وكأن الأسد سيستجيب لدعوات ليست لها مخالب! لقد اختبر بشار الأسد في الماضي «الخطوط الحمراء» الأميركية، فوجد أنها ليست أكثر من خطوط وهمية أو رملية تذروها الرياح كل حين. ولنتذكر أنه ما كان في وسع النظام السوري الوصول إلى مرحلة استخدام السلاح الكيماوي لولا اقتناعه هذا، وما كان ليتجرأ على التلكؤ في تسليم سلاحه الكيماوي لولا شعوره بالأمان من العواقب، وما كان ليقدم على استخدام غاز الكلور الذي يندرج في إطار السلاح الكيماوي لولا «بوليصة التأمين» التي يشعر بأنه يمتلكها. وبالطبع، ما كان له أيضا، لولا ذلك، أن يجعل من البراميل المتفجرة التي تحصد المدنيين السوريين بلا تمييز حمما تتساقط على مدار الساعة! وتطول قائمة جرائم الحرب لتشمل عمليات الحصار القاتل على مناطق كثيرة، يتبعها تهجير قسري لمن يتبقى من السكان الذين قاوموا القصف.. تحت شعار السماح بإخراج المدنيين! في حقيقة الأمر، ومن منظور الجريمة والعقاب، ليست انتخابات رئاسية هزلية على شاكلة الانتخابات التي أجراها بشار الأسد - على بشاعتها - أكبر من جرائم الحرب التي ارتكبها ويرتكبها على مدار الساعة! فمن قتل نحو 200 ألف إنسان لا يضيره الاستمرار في اغتصاب سلطة ورثها عن أبيه كما يورث المتاع! ولماذا لا يفعل ذلك وهو يعرف تماما أقصى ما يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي «المتحضر».

إن النقطة الأساسية في المشهد السوري الدامي اليوم هي شعور المجرم بأنه في مأمن من المحاسبة. هذا الشعور لا يستند إلى غطاء من حلفاء النظام السوري - روسيا وإيران - فقط، ولكن، أيضا، بناء على تجارب سابقة مر بها النظام السوري عبر عقود. فمجازر الثمانينات التي ارتكبها نظام الأب حافظ الأسد، وبالأخص في مدينة حماه، وإجرام هذا النظام في لبنان حيث استهدف المسيحيين قبل غيرهم، ثم اغتيال رفيق الحريري... كل هذه الجرائم مرت من دون عقاب. والآن، نرى أن كل هذه الصفحات السوداء كانت مجرد «بروفة» للمرحلة الحالية.

ولنلاحظ أنه مع بداية الثورة السورية كان النظام السوري يصعّد في عنفه شيئا فشيئا، وصولا إلى القصف الجوي ثم السلاح الكيماوي. ويعود هذا التصعيد المتدرج في جانب كبير منه إلى السعي لامتصاص الغضب الدولي، وجعل العنف المتصاعد اعتياديا. ثم إنه جاء أيضا اختبارا لمدى تقبل المجتمع الدولي و«تسامحه» مع المستوى الذي يمكن أن يصل إليه في العنف والإجرام. وللحقيقة، نجح النظام السوري في كل هذه الاختبارات.. بل أكثر من ذلك، انفتح الغربيون على إيران ليكون ذلك بمثابة «مكافأة» لها على دورها في دعم الأسد وإراقة الدم السوري! السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل كان بشار الأسد بحاجة إلى مثل هذه الانتخابات عمليا؟ من الواضح جدا أنه لا يحتاجها لكي يستمر في السلطة، أو ليعيد تأكيد «ثقة» مزعومة من الناس به. لكنه، مع هذا، أراد أن يتحدى بها القوى الدولية التي تثرثر ليل نهار عن «حل سياسي» و«مؤتمر جنيف» و«الانتقال السلمي للسلطة» و«تشكيل هيئة انتقالية»... إلخ.

لقد أراد بشار الأسد أن يقول لممثلي المجتمع الدولي بلغة لا تحتمل التأويل: اذهبوا أنتم وحلولكم السياسية إلى الجحيم! وفي المقابل، ألا يستدعي هذا التحدي من جانب الأسد والتنكر لكل التزاماته السابقة؛ ردا أميركيا ودوليا لا يقل عن تدعيم فعال لموقف الذين يقاتلون النظام السوري؟ ثم ألم يرضخ الأسد بعد تلويح جدي من جانب الأميركيين بالعصا الغليظة فوافق على تسليم سلاحه الكيماوي (رغم امتناعه عن الالتزام به لاحقا بشكل كامل) من دون أن تطلق واشنطن صاروخا واحدا؟

إن الحديث المتكرر عن ضرورة الحل السياسي أصبح نوعا من «رفع العتب»، أو التخلي عن المسؤولية من قبل القوى الدولية.

بالتأكيد، الحل السياسي مطلوب ومرغوب فيه، وربما هو النتيجة الحتمية. ولكن كل هذا الكلام سيبقى غير ذي معنى ما لم يقترن بتقوية موقف الثوار في سوريا عسكريا. والقصد أنه ما لم يشعر النظام السوري بضغط عسكري حقيقي عليه ولمس تغيرا في الميزان العسكري... فلن يتعامل بجدية مع الحل السياسي. وهنا، تكمن علة مؤتمر «جنيف2» وسبب فشله الرئيس، فهل يرد من تحداهم الأسد على رسالته بطريقة يفهمها؟

* كاتب وباحث سياسي سوري معارض مقيم ببريطانيا