هل تتوقع أن يكتفي المجتمع الدولي بالرد اللفظي على تجديد رئاسة بشار الأسد؟

لا .. رغم موقفي روسيا وإيران.. لا تسليم دوليا بنتيجة هذه الانتخابات

TT

لا.. لن تسلم غالبية الدول الفاعلة بنتيجة الانتخابات الرئاسية السورية من الناحيتين القانونية والسياسية. وعلى الأرجح، ستكون هناك مواقف متدرجة وتصاعدية للضغط على النظام السوري وحلفائه بهدف تعديل ميزان القوى تمهيدا لإعادة إحياء الحل السياسي المتوازن طبقا لوثيقة «جنيف1». بيد أنه يتوجب الاستدراك، والقول إن الدول المؤيدة للنظام، وعلى رأسها روسيا وإيران، ستسعى للاستفادة من تجديد رئاسة بشار الأسد لكي تؤكد «شرعيته» وإخراج حل سياسي على مقاسه.

إن ردود الفعل الأولى الصادرة عن واشنطن وباريس وقادة الدول الصناعية الكبرى السبع - الذين وصفوا الانتخابات الرئاسية السورية بـ«المزيفة»، وقالوا إنه لا مكان لبشار الأسد في سوريا – توحي بإجماع على رفض أي تطبيع مع نظام الأسد. إلا أن تكرار التصريحات الغربية الرنانة منذ صيف 2011 يدفع للتشكيك، لأن الأفعال لا تتبع الأقوال.

في هذه المرحلة المتسمة بمناخ جديد من «الحرب الباردة» التي تمتد من كييف إلى دمشق، وبصعود ملحوظ للجماعات الجهادية، وبالتزام إيراني متزايد، تجد مجموعة «أصدقاء سوريا» نفسها أمام خيار الحركة... رغم تردد الرئيس الأميركي باراك أوباما الدائم. ومع استبعاد مساومة أميركية - روسية في المدى المنظور أو مصالحة سعودية - إيرانية، ثمة هامشان للمناورة عند الغربيين: أولهما، استمرار إخفاء بعض الترسانة الكيماوية والاستخدام المتكرر للكلور من قبل القوات النظامية السورية. وثانيهما، مسألة المعابر للمساعدات الإنسانية... إذ تشير الإحصاءات إلى استحواذ النظام على 90 في المائة من الدعم الدولي بدلا من إدخاله إلى مناطق المعارضة.

مع استمرار تعطيل مجلس الأمن الدولي عبر حق النقض (الفيتو) الروسي - الصيني، يمكن استخدام الجمعية العامة للأمم المتحدة مرافعة من أجل عملية دولية محدودة الأهداف والتوقيت ولغاية إنسانية بحتة. وفي موازاة ذلك - على الأرجح - ستسمح واشنطن بإيصال دفعات محددة من السلاح النوعي لقوى المعارضة المعتدلة، أو تتغاضى عن ذلك، مع العمل على تعزيز هيكلية «الجيش الحر» والقوى الإسلامية الموقعة على «ميثاق الشرف الثوري» الذي يقر بسوريا «دولة مدنية وتعددية». ووراء كل هذه الجهود المنتظرة تصبو الدول المعنية إلى تعديل تدريجي في ميزان القوى يسمح من جديد بالعودة لطاولة التفاوض، أي حرمان الأسد من إمكانية الحسم العسكري والسياسي.

يحق لمراقب مواقف القوى الإقليمية والدولية المعنية بالنزاع السوري، الذي هو أول نزاع متعدد القطب في القرن الحادي والعشرين، ملاحظة أنها لم تستنفد بعد الوظيفة الجيوسياسية لهذا الصراع. ولذا، فإن حالة الاهتراء وتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ كأنهما يخدمان أهداف من يريد إعادة تركيب المشرق وبلاد الشام انطلاقا من سوريا.

لقد شكلت «إعادة انتخاب» الأسد محطة من مسار التجاذب في سوريا وحولها، لكنها لا تمثل منعطفا مصيريا لأنها تكرس الوضع القائم عمليا... والأدهى أنها لا تسهل الحل السياسي من حيث تماهيها مع منطقي القهر والغلبة.

ونتيجة لانسداد الأفق واستمرار الصراع الدامي وتفاقم الكارثة الإنسانية، ستجد القوى الداعمة للمعارضة السورية نفسها ملزمة باتخاذ مواقف جدية في الرد على «المسرحية الدموية» للنظام، خاصة أن إعطاء الأولوية للحرب ضد الإرهاب لن يزيح الأنظار عن الطبيعة الأساسية للنزاع وعن مسؤولية النظام الجسيمة على كل الصعد.

وإزاء ديناميكية الحرب والصمود الأسطوري للشعب السوري، لن تجدي ردود الفعل المحدودة المنتظرة نفعا إذا لم تواكَب بوحدة موقف للقوى الإقليمية المناهضة للنظام، وإذا لم يوسع «الائتلاف» المعارض قاعدته الوطنية... ويرتبط أكثر بقيادة ميدانية عسكرية موحدة وبرنامج سياسي وطني تعددي جامع.. فيه قدر كبير من الاستقلال النسبي للقرار الوطني السوري.

* أكاديمي لبناني مقيم بفرنسا - أستاذ العلوم السياسية في المركز الدولي للجيوبوليتيك بباريس