دول الخليج.. والصعود الإخواني

TT

تطرح «الشرق الأوسط» في «سجالات» قضية ترى كثرة من المحللين السياسيين أنها غدت محورية في منطقة الخليج، في ظل تزايد الطموح الإقليمي الإيراني وتداعيات ما يسمى «الربيع العربي»، هي هل ثمة قدرة لدى حكومات دول مجلس التعاون على احتواء فروع «الإخوان المسلمين» أو على الأقل التعايش معها، أم أنها ستجد في نهاية المطاف أن حل فروع الجماعة هو الشرط الوحيد لأي شكل من أشكال الاحتواء والتعايش؟

للرد على السؤالين تستضيف «الشرق الأوسط» اليوم نخبة من الكتاب الخليجيين يعتبرون من خيرة متابعي هذه القضية وتشعبات أبعادها، هم الكاتب والإعلامي السعودي جمال خاشقجي، والكاتب والإعلامي الإماراتي راشد العريمي، والكاتب السعودي محمد عبد اللطيف آل الشيخ، والكاتب القطري جاسم سلطان. وفي ما يلي الردود:

*هل ستتمكن حكومات دول الخليج من احتواء تنظيمات «الإخوان»؟ نعم

- الصدام بين حكومات المنطقة وبين «الإخوان» ليس حتميا

* جمال خاشقجي

* لا تستطيع دول الخليج احتواء «الإخوان»، لكن الصدام بينها وبينهم ليس حتميا، فدول الخليج ليست «واحدة» في موقفها منهم، فثمة 6 مواقف مختلفة موزعة على دول الخليج الست، ولا يبدو في الأفق أي نية لاتخاذ موقف موحد للتباين الكبير بين الدول حيال «الإخوان».

«الإخوان» ظاهرة خارجية، ومحلية في آن واحد في كل بلد، مما سيشكل موقفا مختلفا حيالهم في كل دولة، وبالتالي يتعذر تشكل سياسة موحدة لاحتوائهم أو الصدام معهم.

أعتقد أن أفضل إجابة عن هذا السؤال سنجدها في الرياض، فهي عاصمة الدولة الخليجية الأكبر التي لا تعقد بقية الدول أمر صلح أو حرب من دونها، ومن الجيد أن موقفها هو الأكثر اعتدالا في مسألة صعود «الإخوان»، فلقد عزلت المملكة، بين أي موقف مسبق مع الإخوان كتنظيم، ومع صعودهم كحكومة منتخبة على عرش مصر وتونس، استمرت في التعامل الإيجابي بين البلدين اقتصادا وسياسة، فأطرت العلاقة في صيغة علاقة قديمة متجددة، بين بلدين عربيين شقيقين، وليس علاقة بين المملكة و«الإخوان المسلمين»، ولو خسر «الإخوان» السلطة وجاء غيرهم لاستمرت العلاقة المؤسسة بين البلدين. ولكن ثمة مساحة ضبابية، ممثلة في «بعض» الإعلام المحسوب على المملكة والذي ينتقد «الإخوان» بشراسة، هل هو موقف سعودي أم موقف مستقل؟ أفضل أن أعتمد على تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لتفسير الموقف السعودي وليس مقالا ينشر في صحيفة سعودية.

موقف «بعض» الإعلام السعودي يعبر عن توجسات سعودية بعضها رسمي تجاه «الإخوان»، إذ يرونها حركة تريد الوصول إلى الحكم، وتيارا إسلاميا قد ينافس موقع السعودية كحامي الإسلام وقائده باحتضانها الحرمين الشريفين والدعوة السلفية، كما أنها التيار الذي ضخ في الإسلام السعودي المعتدل قدرا من السياسة الغاضبة والجرأة على ولي الأمر.

ما سبق يمكن الجدل حوله، ويمكن أن تتأثر هذه القناعات بنتيجة فترة الاختبار.

نعم ثمة «فترة اختبار»، فالمسؤول السعودي يراقب ما يصدر عن «إخوان» مصر ويقيمه، بينما يقود سياسة العلاقة الاستراتيجية التي يجب المحافظة عليها ما لم يحدث أمر جلل، فما الذي يمكن أن يحرف العلاقات المصرية - السعودية عن طبيعتها؟

ليس إيران، فمصر لن تنحاز لها ضد دول الخليج والمملكة، بل إن في «مصر الإخوان» تنافرا مع إيران بدا واضحا كلما تلاقى الطرفان.

الذي يهم السعودية هو «عدم التدخل»، ستراقب تصرفات «الإخوان» من هذا الباب. حتى الآن الحكومة «الإخوانية» المصرية محافظة على ذلك. لا حديث عن تصدير ثورة، بل إشارة تلو الإشارة تؤكد تقديرها للحكومة السعودية، وحرصها على أن تكون سياستها متطابقة مع السياسة السعودية، خاصة في مسألة أمن الخليج.

ستستمر هذا العلاقة الجيدة في حدها الأدنى، ولكن عليها تحمل ضغوط تيار سعودي وخليجي قلق من صعود «الإخوان». فثمة صراع داخل السعودية ودول الخليج، بين تيار ليبرالي وتيار محافظ، وقد وظف صعود «الإخوان» في دول الربيع العربي في معركة هذين التيارين.

الأول يخشى أن يؤدي صعود «الإخوان» إلى أن يشعر التيار المحافظ في السعودية ودول الخليج أن لديه عضلات، فيستطيع أن يمارس ضغوطا أكبر على حكوماته أو يعبر عن طموحاته بقدر أكبر من الصراحة، ولكن ثمة خلطا هنا، فالتيار المحافظ السعودي ليس كله من «الإخوان»، بل إن جسمه الأكبر «سلفي» طالما اعترك مع «الإخوان» في ساحات الدعوة والجامعات، فهو مع الحكومة ضد «الإخوان»، وبالتالي، يشترك مع التيار الليبرالي في هذه المساحة، وثمة سلفيون مالوا مع «الإخوان» من باب أنه عندما يكون الاختيار بين العلمانيين و«الإخوان»، نختار الخيار الثاني. أما الحكومة السعودية فلعلها تنظر إلى هذا الكم الهائل من الجدل وكأنها تقول: «ومن الذي قال إنني أريد صداما مع الإخوان؟». وحيث إنها الأكبر في الخليج، فإن موقفها هو الذي سيسود، بعدم التصادم على مستوى الحكومات، ولا بأس بالتصادم على مستوى الأفكار، مع حق كل دولة في التعامل مع «إخوانها» بما تراه مناسبا، فواحدة تعتقلهم وثانية تتحالف معهم.

فتمضي هذه السياسة حتى ينجلي غبار الربيع العربي، فإن بقي «الإخوان» تحافظ المملكة ودول الخليج على علاقات جيدة مع بلدانهم وفي حدها الأدنى، مع ترك الباب مشرعا لتطوير العلاقة بقدر ما تتعزز الثقة.

* كاتب وإعلامي سعودي

* هل ستتمكن حكومات دول الخليج من احتواء تنظيمات «الإخوان»؟ لا

- الاحتواء مستحيل لأن الجماعة تتناقض مع وجود الأوطان

* محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

* من أجل أن تفهم جماعة الإخوان المسلمين لا بد أن تقرأ تاريخ هذه الحركة، ومتى نشأت، وما بواعث إنشائها، وما الظروف التاريخية التي نشأت في ظلها؛ لتتعرف على منطلقات هذه الجماعة، وأهدافها كحركة سياسية وليس كجماعة دعوية كما حاولوا أن يسبغوا على أهدافها لإبعادها في مرحلة التكوين عن أعين السلطات السياسية.

قامت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م، أي بعد سقوط الخلافة العثمانية، أو «الإسلامية»، بأربع سنوات؛ وكان قيامها بمثابة رد فعل لسقوط دولة الخلافة العثمانية عام 1924. كان المسلمون في بدايات القرن العشرين متعطشين لإيجاد «فكرة سياسية» تتسلم قيادة الإسلام، وتقيم «دولة الخلافة»، أو «دولة الأمة» بعد أن تخلى عنها الأتراك. في هذه الأجواء نشأت هذه الجماعة، التي طرحت نفسها في البداية على أساس دعوي ذرا للرماد في العيون، لكن الهدف كان سياسيا بحتا، فحواه إقامة «دولة الإخوان»، التي تتخطى الحدود، والأوطان، لتقيم «دولة الأمة - الخلافة» على أنقاض «الدولة الوطن». وهذه نقطة جوهرية في تكوين الجماعة منذ البدء، ولا تزال تحتفظ بها وتصر عليها حتى الآن.

فهي تقيم الجماعات «الفرعية» في أغلب البلدان العربية والإسلامية، وهذه الجماعات تدين بالولاء الكامل لمرشد الجماعة بمصر، وتنتمي إلى تنظيم إخواني عالمي هدفه النهائي والبعيد تهيئة الظروف وتمهيد الطريق لإقامة «دولة الأمة» التي يتربع على عرشها خليفة حسن البنا في مصر، أو ما يسمى الآن «مرشد الجماعة»، وهذا - كما هو معروف - ركن تأسيسي من أركان هذه الجماعة السياسية.

وتوجد جماعة الإخوان المسلمين الآن في 72 دولة حول العالم حسب إحصاءات الجماعة نفسها (والإحصاءات الأميركية تقول في 70 دولة أيضا)، ويشرف على مجلس الشورى العام «التنظيم العالمي للإخوان» الذي يتكون من ثلاثين عضوا على الأقل، يمثلون التنظيمات الإخوانية المعتمدة في مختلف الدول (تسمى الدول في لغة الإخوان أقطارا) ويتم اختيارهم من قبل مجالس الشورى في تلك الدول أو من يقوم مقامه. ويحدد عدد ممثلي كل دولة بقرار من مجلس الشورى. وهذا يعني أن احتواء تنظيمات هذه الجماعة في «الدولة - الوطن»، أي وطن، سواء دول الخليج أو غيرها، أمر مستحيل لسبب بسيط مؤداه أنها تهدف إلى إقصاء وإسقاط أو بلغة أدق «تفجير» كل الأنظمة القائمة، ليحل محلها نظام إخواني «فرعي» هدفه النهائي والبعيد إلحاق هذا الوطن أو ذاك بـ«دولة الأمة»، أو «دولة الخلافة».. أو «دولة الإخوان». ومن يقرأ أدبيات هذه الجماعة، ويتمعن في خطابها السياسي، سيجد حضورا لافتا لمصطلح «الأمة» بمعناه السياسي، الذي يقوم على إلغاء الأوطان والأنظمة القائمة؛ لذلك فإن احتواء جماعة بهذه الفلسفة السياسية مستحيل لأنها تتناقض مع وجود الأوطان ككيانات مستقلة؛ فإما «الدولة الوطن» أو «دولة الأمة».

ليس لدي أدنى شك في أن الصدام حتمي، بل ويجب أن يكون حتميا؛ فأي نظام خليجي أو عربي أو حتى إسلامي هو بمثابة حجر عثرة لتحقيق أهداف هذه الجماعة والتمكين لها؛ أي بمعنى مباشر لا يمكن إقامة دولة جماعة الإخوان في شكلها الأممي النهائي إلا على أنقاض الأنظمة القائمة.

صحيح أن هناك من أنظمة الخليج من يظهر التعاطف مع هذه الجماعة، ويدعمها، ويمكن لها، ويحاول أن يوظفها كورقة ضغط سياسية يستفيد منها مرحليا، إلا أن هذا النظام نفسه سيصل حتما إلى مرحلة يجد نفسه في موقع مؤداه إما بقاؤه - أي هذا النظام - أو «الإخوان»؛ فقد أخطأ غيرهم، وانتهجوا نفس الطريق، وظنوا أن بإمكانهم أن يوظفوا «الإخوان» لتحقيق مآرب سياسية مرحلية في صراعاتهم السياسية الخارجية، وفتحوا لـ«الإخوان» بلدانهم، ومكنوهم من مؤسساتهم التعليمية، ومن بعض مؤسسات صناعة القرار، ولم يتنبهوا لخطرهم إلا بعد أن سبق السيف العذل، وأصبح كثير من عملاء «الإخوان»، وبذراتهم، يقبضون على مفاصل الدولة وبالذات المؤسسات التعليمية، من خلال يرقاتهم التي زرعوها أينما حلوا، فتحولت هذه اليرقات فيما بعد إلى كوادر حركية لا تعرف الدولة نفسها كيف السبيل إلى اجتثاثها.

* كاتب سعودي

* .. وهل حل الجماعات في الداخل هو الشرط الأساسي للاحتواء؟ لا

- ليس بين التنظيمات الخليجية ما يسعى لتغيير النظام في بلده

* جاسم سلطان

* في ظل واقع متحرك بشدة في المنطقة العربية وتغير المعادلات المستقرة في المنطقة عصفت الرياح بالتعاقد الضمني بين حركة الإخوان المسلمين وبعض الحكومات، والممتد من الخمسينات وحتى اليوم.. ولأول مرة في الخليج ينفجر الصراع بشكل حاد وصاخب. وسبب الصدام المعلن هو وجود التنظيم وما يصحب ذلك من تهم مرادفة، فهل تنتبه الحركات الإسلامية ومنها «الإخوان» لفكرة التنظيم، وخصوصا في البلاد التي لم يتسع إطارها السياسي لمثل هذا الوجود؟ بمعنى آخر هل يمكن أن تقوم مراجعات تقود لتغيير الشكل الذي تعمل من خلاله هذه المجاميع؟

الحقيقة أن ذلك أمر صعب ولكنه ليس بمستحيل، والسبب أن الحركات الإسلامية، ومنها «الإخوان»، تطابق بين وعيها بالدين وبين الدين ذاته تحت عنوان «الفهم الصحيح»، وهي غالبا تعطي نفسها دورا تاريخيا استثنائيا بناء على هذا الفهم، وتماهي بين أحوالها وأحوال النشأة الأولى للإسلام. وبالتالي يصعب بعدها رؤية المسار، فكل شيء يصبح خاضعا لمعادلة المنحة والمحنة ومتقبلا في هذا السياق.

وهنا نأتي على إشكالية الشكل التنظيمي بين الاستيراد والإبداع. إن التنظيمات الخليجية - فيما أعلم على الأقل وهي شهادة نسأل أمام الله عنها يوم القيامة - ليس بينها تنظيم يسعى لتغيير نظام الحكم في بلده، أو يرى له بديلا على المستوى النظري أو العملي، بل وفي أغلب أقطاره قيادات التنظيم هي من الأسر الحاكمة أو ممن هو قريب منها على وجه الإجمال، وكل قيادات التنظيمات هي في مرمى النظر، ولكن الشكل التنظيمي الذي اتخذته هذه الحركات قابل للتأويل حين تسوء الظروف وتتغير البيئة، ففي الواقع العملي ليس هناك سرية لأن الأشخاص والمؤسسات والتحركات في عالم اليوم من المستحيل أن تبقى سرية مهما كان التنظيم محترفا ورغم وضوح صورة المستقبل وما يحمله من مخاطر.. مثل انتشار ظاهرة الإرهاب واحتمال وضع الجميع في سلة واحدة أو تغير قيادات الدول، وبالتالي قيام فلسفة جديدة للتعاطي مع التنظيمات أو حتى حدوث حوادث جزئية تسقط الاتفاق الضمني الأول. وبالتالي يتم استخدام فكرة التنظيم والسرية ضد هذه التنظيمات إلا أن حاسة المستقبل مفقودة بصورة كبيرة.. وحدث المحظور وانفجر الوضع بشكله الحالي في بعض المناطق.

ماذا عن التفاعل القاتل وحساب النيات؟ لقد جاء الربيع العربي أو التحولات السياسية في المنطقة العربية فصبت الكثير من الزيت على نار المخاوف رغم عظم الفارق بين الحالات والأوضاع التي شكلت مصير أنظمة الربيع العربي، وهي بينة لأي باحث موضوعي ولكن المخاوف لا تستند بالضرورة للموضوعية. ومن هنا يمكن القول إن الحالة الإسلامية الخليجية كانت مطالبة بالتفكر قبل حدوث الأزمة، وهي اليوم بحاجة ماسة أكبر للمراجعة بعد أن تبينت مخاطر الاستمرار دون مراجعة، فهي تحاسب اليوم على النيات والضمير بسبب عقم التفكير في العواقب الذي صحب عمليات البدء.

إن المجتمعات الخليجية سواء وجدت الحركة أم لم توجد ستبقى مسلمة. تلك حقيقة بسيطة صماء، فليس هناك ترابط موضوعي بين وجود الإسلام ووجود الحركة، كما أنه ليس هناك ترابط معين بين التنظيم الذي استقرت عليه الحركة وبين وجود الدعوة للإسلام وفاعليتها. وكذلك لا ترابط بين وجود المنظمة وإقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية بالمعنى الذي تطرحه الأدبيات فالمسافة كبيرة بين حقائق الواقع وبين مثل هذه الأطروحات. فاليوم تعجز هذه الأفكار عن توحيد تنظيمات، ناهيك بمجتمعات دول والواقع خير شاهد، وإعادة النظر في كل هذه المنظومات الفكرية أصبحت واجبة هذا الوقت.. بل من أوجب واجباته.

إن الدعوة للخير يمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة وتحقق غرض الدعوة إلى الله، ولكن اشتباك فكر الحركة الإسلامية في الخليج مع الأفكار القادمة من بلاد النشأة واجتلاب ذات الأشكال التنظيمية مع اختلاف البيئات قاد لمثل هذا الصدام غير المبرر.. إن التنظيم هو فعل من أفعال المكلفين تنصرف له الأحكام الخمسة من الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو الحرمة بحسب ظروف كل بلد ومآلات الفعل على فكرة الدعوة للخير.. ويجب أن ينظر إليه في ضوء المصالح والمفاسد.

يبقى الحديث عن القرارات الكبرى.

لا يستطيع أحد أن يتخذ قرارا عن غيره، ولكن واجب النصح قائم بضرورة المراجعات الجادة التي ربما أخذت مسارها في بعض الأقطار وتنتظر من يقوم بها في بلاد أخرى. وفي الحقيقة أن المراجعات الكبرى تحتاجها أيضا الدول التي اصطدمت بهؤلاء الشباب. فواجب الدول أن تكون أما حاضنة لأبنائها وهم حين يخطئون فحكمة الكبار تأخذ بأيديهم للصواب.

إن ما يرجوه أي مخلص هو أن يجد العقل والحكمة طريقها للعقول والقلوب، وأن يبدأ الجميع مرحلة جديدة بفكر جديد. ليس من مصلحة الأوطان إدارة صراع لا جدوى منه ولا عائد لا على الأفراد ولا على المجتمع والدول، وحل هذا الملف الآن سيخفف كثيرا من مرارات المستقبل والحكمة ضرورية من كل الأطراف.

* كاتب قطري

* .. وهل حل الجماعات في الداخل هو الشرط الأساسي للاحتواء؟ نعم

- لا حل مع تنظيمات «الإخوان» الخليجية.. إلا الحل

* راشد العريمي

* إذا كان السؤال المطروح هنا هو: هل على دول الخليج أن تحتوي تنظيمات «الإخوان المسلمين» أم عليها أن تحلها؟ فالجواب بلا شك، أن تنظيمات الإخوان المندسة في دول الخليج عصية على الاحتواء، وهي غير قادرة على الاندماج والمشاركة في المجتمعات الخليجية؛ للأسباب التي سنستعرضها في هذا المقال، ولذلك فلا حل إلا الحل.

أولا، لا تمتلك هذه الجماعات أي شرعية فقهية أو قانونية للبقاء في مجتمعات أهل الخليج. فقهيا هي منافية للشريعة؛ لأنها بدعة وشق لصف أهل الإسلام، وخروج على الجماعة وعصيان لولي الأمر المأمور بطاعته، وهي أقرب في تحديها وخروجها على القوانين والتشريعات القائمة في دول الخليج إلى عصابات الجريمة المنظمة المتعددة الجنسيات. وليس أدل على ذلك من محض ولائها للخارج واستقوائها به على أوطانها.

ثانيا، إن هذه الجماعات أو التنظيمات تتحدى فكرة الدولة الوطنية، بل تلغيها عبر ازدواجية الولاء الذي توليه لتنظيمها الأم بالفعل، في حين تزعم ولاءها لأوطانها بالقول. فلم يعد هناك اليوم وجود واقعي لأي توصيفات هوية أو كيانات سياسية يمكن للإنسان أن يرتبط بها بعلاقة انتماء أو ولاء سوى الدولة الوطنية؛ فعصر «الدولة - الأمة» انتهى، ومزاعم إحياء الخلافة الإسلامية تحول إلى مجرد ذريعة للمغامرين السياسيين يمتطونها للوصول إلى مآربهم في الحكم.

ثالثا، إن أتباع هذه التنظيمات «الخليجية» في أمميتهم الموهومة وغير الوطنية يقدمون مصالح شعب على حساب مصالح شعب آخر، ويخدمون أوطان الآخرين من حيث يسعون إلى تخريب أوطانهم، ويزعمون أن الكل أمة واحدة، غير أن موازينهم مائلة والقسمة غير عادلة. فتنظيمات الإخوان الخليجية لا تؤدي اليوم إلا دور البقرة الحلوب التي تدر أموالا في خزائن التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين»، ودورها لا يتجاوز «الجباية» لصالح التنظيم الأم. وهذا الاستغلال والابتزاز لـ«إخوان الخليج» لم يشفع لهم لدى التنظيم الأم حين قرر تقديم مصالحه الضيقة على المصالح الوطنية لدول الخليج العربية، وما تأييدهم لـ«صدام» في غزوه الكويت عنا ببعيد.

رابعا، إن هذه الجماعات بادعائها الطهر والنزاهة تقف على الجانب الخطأ من التاريخ؛ فأعضاء هذه التنظيمات يعتبرون أنفسهم نخبا نقية، ويرون أنفسهم فوق كل شبهة أو نقد أو مساءلة، فضلا عن تخطئتهم وتقويم اعوجاجهم، فهم يعتبرون أنهم امتلكوا الحقيقة عبر تكلمهم باسم الدين، وهم بهذا منفصلون عن الواقع ومفارقون لروح المجتمع وإجماعه.

خامسا، إن «الربيع العربي» قد أثبت أن آيديولوجيا «الإخوان» كانت وستظل وصفة للفشل والزلل. فمع وصول «الإخوان» إلى الحكم في بعض هذه الدول عانت بلدانهم من انسداد سياسي وانهيار اجتماعي، واقتصاد بات في حالة سقوط حر، وأمن مفقود، وزاد الأمور سوءا تغول الأثرة والأنانية «الإخوانية» المتأصلة في خطابهم وآيديولوجيتهم بكل ما جبلت عليه من تقوقع وتشرنق وتخندق حول الذات وانعزالية تكفيرية عن غيرها من قوى المشهد السياسي، بل عن بقية المجتمع كله.

وسيظل «الإخوان» في كل مكان يدورون في حلقة فشل آيديولوجي مفرغة وعقيمة وسقيمة، ولن ينجح مسعاهم أبدا، لأنهم منذ قرابة ثمانية عقود وهم يقرعون الباب الخطأ تعطشا وسعيا للوصول إلى السلطة، باستغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية، ومحاولة اتخاذه مطية للأجندات التنظيمية، والدين الحنيف أعظم من تأويلاتهم، وأقوم من تحليلاتهم، لأنه دين الأمة جمعاء، ولذلك فهو جامع غير مفرق، وموحد غير ممزق، وهو ذكر منزل محفوظ مصون من رب العالمين، وليس مجرد تأويلات باهتة، وتلفيقات باردة، يروجها بعض الملبسين والمفلسين.

سادسا، هناك خصوصية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في دول الخليج بشكل لا يتكرر في دول أخرى، فأنظمة الحكم القائمة فيها بايعتها شعوبها منذ مئات السنين، ومجتمعات الخليج التي لم يخلقها النفط، بل تمتد جذورها إلى مئات السنين، قد حققت في السنوات الأربعين الماضية إنجازات تفوق جميع الإنجازات التي تحققت في دول الشرق الأوسط كلها خلال القرنين الماضيين.

إن مجتمعات الخليج اليوم ليست قرى منعزلة ليأتوها بدعوى سطحية مبتذلة لجماعة سرية، بل هي مجتمعات منفتحة تمتلك مؤسسات تقوم بأداء أدوارها المنوطة بها، وهي ذات بنية تتيح قدرا كبيرا من المساءلة والمحاسبة على نحو يمكنها من تجاوز الخلل وتقويم الزلل، تحت سقف الوطن.

إن على «إخوان الخليج» اليوم العودة إلى الحق والصدق، والاعتراف بالخطأ، ومراجعة النفس، والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى أوطانهم وشعوبهم، بتوبة نصوح، يقترن فيها الندم على ما فات بنية عدم العودة إليه أبدا. وهذا يقتضي، مرة أخرى، حل تنظيمات «الإخوان» الخليجية وإشهار إفلاس علاقتها مع جميع الأطراف الخارجية.

هذا هو الحل، وبعده يكون التراجع بشكل قاطع عن كل قول وعمل قد يدخل تحت طائلة ازدواجية الولاء أو الانتماء، وبدلا من ذلك عليهم الانخراط كأفراد بإخلاص في خدمة دولهم الوطنية، باعتبارها أوطانا نهائية، وهي الوحدة السياسية الوحيدة المقبولة شرعا وعقلا وقانونا في عصرنا الراهن. ونحن أبناء دول مجلس التعاون كلنا مسلمون والحمد لله. ولذا، فالأفضل لـ«إخوان الخليج» أن يسرعوا للحاق بالإجماع الوطني وشرعيته؛ لأن الوطن أمانة.. ولا مكان فيه لازدواجية الولاء أو الخيانة.

* كاتب وإعلامي إماراتي