هل ستتمكن حكومات دول الخليج من احتواء تنظيمات «الإخوان»؟

لا - الاحتواء مستحيل لأن الجماعة تتناقض مع وجود الأوطان

TT

من أجل أن تفهم جماعة الإخوان المسلمين لا بد أن تقرأ تاريخ هذه الحركة، ومتى نشأت، وما بواعث إنشائها، وما الظروف التاريخية التي نشأت في ظلها؛ لتتعرف على منطلقات هذه الجماعة، وأهدافها كحركة سياسية وليس كجماعة دعوية كما حاولوا أن يسبغوا على أهدافها لإبعادها في مرحلة التكوين عن أعين السلطات السياسية.

قامت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م، أي بعد سقوط الخلافة العثمانية، أو «الإسلامية»، بأربع سنوات؛ وكان قيامها بمثابة رد فعل لسقوط دولة الخلافة العثمانية عام 1924. كان المسلمون في بدايات القرن العشرين متعطشين لإيجاد «فكرة سياسية» تتسلم قيادة الإسلام، وتقيم «دولة الخلافة»، أو «دولة الأمة» بعد أن تخلى عنها الأتراك. في هذه الأجواء نشأت هذه الجماعة، التي طرحت نفسها في البداية على أساس دعوي ذرا للرماد في العيون، لكن الهدف كان سياسيا بحتا، فحواه إقامة «دولة الإخوان»، التي تتخطى الحدود، والأوطان، لتقيم «دولة الأمة - الخلافة» على أنقاض «الدولة الوطن». وهذه نقطة جوهرية في تكوين الجماعة منذ البدء، ولا تزال تحتفظ بها وتصر عليها حتى الآن.

فهي تقيم الجماعات «الفرعية» في أغلب البلدان العربية والإسلامية، وهذه الجماعات تدين بالولاء الكامل لمرشد الجماعة بمصر، وتنتمي إلى تنظيم إخواني عالمي هدفه النهائي والبعيد تهيئة الظروف وتمهيد الطريق لإقامة «دولة الأمة» التي يتربع على عرشها خليفة حسن البنا في مصر، أو ما يسمى الآن «مرشد الجماعة»، وهذا - كما هو معروف - ركن تأسيسي من أركان هذه الجماعة السياسية.

وتوجد جماعة الإخوان المسلمين الآن في 72 دولة حول العالم حسب إحصاءات الجماعة نفسها (والإحصاءات الأميركية تقول في 70 دولة أيضا)، ويشرف على مجلس الشورى العام «التنظيم العالمي للإخوان» الذي يتكون من ثلاثين عضوا على الأقل، يمثلون التنظيمات الإخوانية المعتمدة في مختلف الدول (تسمى الدول في لغة الإخوان أقطارا) ويتم اختيارهم من قبل مجالس الشورى في تلك الدول أو من يقوم مقامه. ويحدد عدد ممثلي كل دولة بقرار من مجلس الشورى. وهذا يعني أن احتواء تنظيمات هذه الجماعة في «الدولة - الوطن»، أي وطن، سواء دول الخليج أو غيرها، أمر مستحيل لسبب بسيط مؤداه أنها تهدف إلى إقصاء وإسقاط أو بلغة أدق «تفجير» كل الأنظمة القائمة، ليحل محلها نظام إخواني «فرعي» هدفه النهائي والبعيد إلحاق هذا الوطن أو ذاك بـ«دولة الأمة»، أو «دولة الخلافة».. أو «دولة الإخوان». ومن يقرأ أدبيات هذه الجماعة، ويتمعن في خطابها السياسي، سيجد حضورا لافتا لمصطلح «الأمة» بمعناه السياسي، الذي يقوم على إلغاء الأوطان والأنظمة القائمة؛ لذلك فإن احتواء جماعة بهذه الفلسفة السياسية مستحيل لأنها تتناقض مع وجود الأوطان ككيانات مستقلة؛ فإما «الدولة الوطن» أو «دولة الأمة».

ليس لدي أدنى شك في أن الصدام حتمي، بل ويجب أن يكون حتميا؛ فأي نظام خليجي أو عربي أو حتى إسلامي هو بمثابة حجر عثرة لتحقيق أهداف هذه الجماعة والتمكين لها؛ أي بمعنى مباشر لا يمكن إقامة دولة جماعة الإخوان في شكلها الأممي النهائي إلا على أنقاض الأنظمة القائمة.

صحيح أن هناك من أنظمة الخليج من يظهر التعاطف مع هذه الجماعة، ويدعمها، ويمكن لها، ويحاول أن يوظفها كورقة ضغط سياسية يستفيد منها مرحليا، إلا أن هذا النظام نفسه سيصل حتما إلى مرحلة يجد نفسه في موقع مؤداه إما بقاؤه - أي هذا النظام - أو «الإخوان»؛ فقد أخطأ غيرهم، وانتهجوا نفس الطريق، وظنوا أن بإمكانهم أن يوظفوا «الإخوان» لتحقيق مآرب سياسية مرحلية في صراعاتهم السياسية الخارجية، وفتحوا لـ«الإخوان» بلدانهم، ومكنوهم من مؤسساتهم التعليمية، ومن بعض مؤسسات صناعة القرار، ولم يتنبهوا لخطرهم إلا بعد أن سبق السيف العذل، وأصبح كثير من عملاء «الإخوان»، وبذراتهم، يقبضون على مفاصل الدولة وبالذات المؤسسات التعليمية، من خلال يرقاتهم التي زرعوها أينما حلوا، فتحولت هذه اليرقات فيما بعد إلى كوادر حركية لا تعرف الدولة نفسها كيف السبيل إلى اجتثاثها.

* كاتب سعودي