.. وهل حل الجماعات في الداخل هو الشرط الأساسي للاحتواء؟

لا - ليس بين التنظيمات الخليجية ما يسعى لتغيير النظام في بلده

TT

في ظل واقع متحرك بشدة في المنطقة العربية وتغير المعادلات المستقرة في المنطقة عصفت الرياح بالتعاقد الضمني بين حركة الإخوان المسلمين وبعض الحكومات، والممتد من الخمسينات وحتى اليوم.. ولأول مرة في الخليج ينفجر الصراع بشكل حاد وصاخب. وسبب الصدام المعلن هو وجود التنظيم وما يصحب ذلك من تهم مرادفة، فهل تنتبه الحركات الإسلامية ومنها «الإخوان» لفكرة التنظيم، وخصوصا في البلاد التي لم يتسع إطارها السياسي لمثل هذا الوجود؟ بمعنى آخر هل يمكن أن تقوم مراجعات تقود لتغيير الشكل الذي تعمل من خلاله هذه المجاميع؟

الحقيقة أن ذلك أمر صعب ولكنه ليس بمستحيل، والسبب أن الحركات الإسلامية، ومنها «الإخوان»، تطابق بين وعيها بالدين وبين الدين ذاته تحت عنوان «الفهم الصحيح»، وهي غالبا تعطي نفسها دورا تاريخيا استثنائيا بناء على هذا الفهم، وتماهي بين أحوالها وأحوال النشأة الأولى للإسلام. وبالتالي يصعب بعدها رؤية المسار، فكل شيء يصبح خاضعا لمعادلة المنحة والمحنة ومتقبلا في هذا السياق.

وهنا نأتي على إشكالية الشكل التنظيمي بين الاستيراد والإبداع. إن التنظيمات الخليجية - فيما أعلم على الأقل وهي شهادة نسأل أمام الله عنها يوم القيامة - ليس بينها تنظيم يسعى لتغيير نظام الحكم في بلده، أو يرى له بديلا على المستوى النظري أو العملي، بل وفي أغلب أقطاره قيادات التنظيم هي من الأسر الحاكمة أو ممن هو قريب منها على وجه الإجمال، وكل قيادات التنظيمات هي في مرمى النظر، ولكن الشكل التنظيمي الذي اتخذته هذه الحركات قابل للتأويل حين تسوء الظروف وتتغير البيئة، ففي الواقع العملي ليس هناك سرية لأن الأشخاص والمؤسسات والتحركات في عالم اليوم من المستحيل أن تبقى سرية مهما كان التنظيم محترفا ورغم وضوح صورة المستقبل وما يحمله من مخاطر.. مثل انتشار ظاهرة الإرهاب واحتمال وضع الجميع في سلة واحدة أو تغير قيادات الدول، وبالتالي قيام فلسفة جديدة للتعاطي مع التنظيمات أو حتى حدوث حوادث جزئية تسقط الاتفاق الضمني الأول. وبالتالي يتم استخدام فكرة التنظيم والسرية ضد هذه التنظيمات إلا أن حاسة المستقبل مفقودة بصورة كبيرة.. وحدث المحظور وانفجر الوضع بشكله الحالي في بعض المناطق.

ماذا عن التفاعل القاتل وحساب النيات؟ لقد جاء الربيع العربي أو التحولات السياسية في المنطقة العربية فصبت الكثير من الزيت على نار المخاوف رغم عظم الفارق بين الحالات والأوضاع التي شكلت مصير أنظمة الربيع العربي، وهي بينة لأي باحث موضوعي ولكن المخاوف لا تستند بالضرورة للموضوعية. ومن هنا يمكن القول إن الحالة الإسلامية الخليجية كانت مطالبة بالتفكر قبل حدوث الأزمة، وهي اليوم بحاجة ماسة أكبر للمراجعة بعد أن تبينت مخاطر الاستمرار دون مراجعة، فهي تحاسب اليوم على النيات والضمير بسبب عقم التفكير في العواقب الذي صحب عمليات البدء.

إن المجتمعات الخليجية سواء وجدت الحركة أم لم توجد ستبقى مسلمة. تلك حقيقة بسيطة صماء، فليس هناك ترابط موضوعي بين وجود الإسلام ووجود الحركة، كما أنه ليس هناك ترابط معين بين التنظيم الذي استقرت عليه الحركة وبين وجود الدعوة للإسلام وفاعليتها. وكذلك لا ترابط بين وجود المنظمة وإقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية بالمعنى الذي تطرحه الأدبيات فالمسافة كبيرة بين حقائق الواقع وبين مثل هذه الأطروحات. فاليوم تعجز هذه الأفكار عن توحيد تنظيمات، ناهيك بمجتمعات دول والواقع خير شاهد، وإعادة النظر في كل هذه المنظومات الفكرية أصبحت واجبة هذا الوقت.. بل من أوجب واجباته.

إن الدعوة للخير يمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة وتحقق غرض الدعوة إلى الله، ولكن اشتباك فكر الحركة الإسلامية في الخليج مع الأفكار القادمة من بلاد النشأة واجتلاب ذات الأشكال التنظيمية مع اختلاف البيئات قاد لمثل هذا الصدام غير المبرر.. إن التنظيم هو فعل من أفعال المكلفين تنصرف له الأحكام الخمسة من الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو الحرمة بحسب ظروف كل بلد ومآلات الفعل على فكرة الدعوة للخير.. ويجب أن ينظر إليه في ضوء المصالح والمفاسد.

يبقى الحديث عن القرارات الكبرى.

لا يستطيع أحد أن يتخذ قرارا عن غيره، ولكن واجب النصح قائم بضرورة المراجعات الجادة التي ربما أخذت مسارها في بعض الأقطار وتنتظر من يقوم بها في بلاد أخرى. وفي الحقيقة أن المراجعات الكبرى تحتاجها أيضا الدول التي اصطدمت بهؤلاء الشباب. فواجب الدول أن تكون أما حاضنة لأبنائها وهم حين يخطئون فحكمة الكبار تأخذ بأيديهم للصواب.

إن ما يرجوه أي مخلص هو أن يجد العقل والحكمة طريقها للعقول والقلوب، وأن يبدأ الجميع مرحلة جديدة بفكر جديد. ليس من مصلحة الأوطان إدارة صراع لا جدوى منه ولا عائد لا على الأفراد ولا على المجتمع والدول، وحل هذا الملف الآن سيخفف كثيرا من مرارات المستقبل والحكمة ضرورية من كل الأطراف.

* كاتب قطري