هل تساعد الانتخابات المقررة في مصر على لملمة الأوضاع؟

لا - إنها لعبة بلا قواعد.. وانتخابات بلا شرعية

TT

لم يكن ممكنا أن يربح الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات الرئاسية في مواجهة منافسه الفريق أحمد شفيق بلا دعم من تيارات سياسية وجماعات شباب أقلقتها احتمالات إعادة إنتاج النظام السابق. وفي اجتماع ضمه إلى شخصيات عامة بأحد فنادق القاهرة الكبرى تعهد الدكتور مرسي بأمرين رئيسين:

أولهما: تشكيل حكومة ائتلاف وطني تعمل على تحقيق أهداف «ثورة يناير» تترأسها شخصية عامة من خارج تيار الإسلام السياسي.

وثانيهما: إعادة النظر في تشكيل «الجمعية التأسيسية» المخولة بوضع الدستور بما يضمن أن تكون أكثر توازنا في عضويتها وتوافقا في توجهاتها.

التعهدات المعلنة ناقضتها التصرفات اللاحقة. وبدت الجماعة في سباق مع الزمن للإمساك بمفاصل الدولة كلها فيما يعرف بـ«مشروع التمكين فحالت دون إعادة النظر في تشكيل «التأسيسية»، وصاغت الدستور على ما ترى حساباتها دون توافق عليه، وتضمنت أحكامه الانتقالية نصوصا تحصن عدوان الرئاسة على قانون السلطة القضائية في مسألة النائب العام، وأحالت سلطة التشريع إلى «مجلس الشورى» لتمرير ما تراه من قوانين أخطرها قانونا الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية، وعزلت نواب «الحزب الوطني» في مجلسي 2005 و2010، لا لأنها تعتقد في قضية الثورة والعزل، بل لدرء مخاطر انتخابية في دوائر بعينها، وغلت يد «المحكمة الدستورية» في الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين حتى يتسنى لها أن تلتف على ملاحظاتها، على ما جرى عند تمرير «قانون الانتخابات النيابية».. عملت على بناء الحقائق على الأرض، واحدة تلو أخرى، وأسندت اللعبة إلى «الشرعية» في كل مرة.. حتى حصار «المحكمة الدستورية»، وهي فضيحة تاريخية لا مثيل لها، جرى تبريرها بشرعية الرئيس! إنها إذن لعبة سياسية بلا قواعد تحكمها وانتخابات نيابية بلا شرعية تصاحبها.. القواعد تستدعي أن تكون الإجراءات صحيحة وأن تعبر النتائج في صناديق الاقتراع عن توجهات الرأي العام ومنسوب الشعبية لكل تيار سياسي يخوضها.. والشرعية تتطلب أن تخضع الإجراءات لقوانين تضمن سلامتها ونزاهتها، لا أن توضع القوانين وفق مصالح الطرف الذي يمسك بمقاليد السلطة ضمانا لنتائج يطلبها.

وفي اليوم ذاته الذي قاطعت فيه بالإجماع جبهة الإنقاذ الانتخابات النيابية ترشيحا وتصويتا أدار الرئيس محمد مرسي حوارا جرى بثه تلفزيونيا مع بعض ممثلي القوى السياسية، قاطعته المعارضة الرئيسية، عن ضمانات نزاهة الانتخابات لم يسفر عن شيء له قيمة يدعو إلى إعادة النظر والتفكير في خوضها.. بل إن ما جرى في هذا الحوار كان دليلا جديدا على عدم نزاهتها. فقد غض مرسي الطرف تماما عن طلبين قدمهما حزب النور السلفي، الحليف الاستراتيجي السابق للجماعة قبل أن تفترق بينهما السبل، أولهما أن يحيل الرئيس بصلاحياته الدستورية قانون الانتخابات النيابية إلى المحكمة الدستورية للنظر فيما إذا كانت تعديلات مجلس الشورى على هذا القانون جرت وفق ملاحظاتها الملزمة أم جرى التحايل عليها على ما يؤكد فقهاء قانونيون، وهو ما يهدد الانتخابات بالبطلان ويسحب عنها أي شرعية. وثانيهما أن يحقق في ملف متخم بالأسماء لـ«أخونة الدولة» أودعه لدى الرئاسة، داعيا إلى مراجعة الأسس التي على أساسها أسندت وظائف عامة لأكثر من 12 ألف عضو في الجماعة تدخل فيها المحليات التي تساعد القضاة تقليديا في إجراء الانتخابات! الاتهام الموثق ينطوي على شبهات فساد ومحسوبية وتمييز بين المواطنين على أساس الهوية السياسية والانتماء الحزبي، ويتمدد بطبيعته إلى مخاوف تتعدد شواهدها على استخدام وسائل الدولة في التأثير على نتائج الانتخابات، وهذا هو السبب الرئيسي في أن تطلب المعارضة على اختلاف توجهاتها تشكيل حكومة محايدة تشرف على الانتخابات النيابية ضمانا لنزاهتها، فالجماعة تسيطر على الحكومة الحالية ويحتل الموالون لقيادتها التنظيمية الوزارات الأكثر ارتباطا بالعملية الانتخابية مثل «الداخلية» و«الحكم المحلي» و«التموين» و«الشباب».

الأحزاب تنشأ لتحتكم إلى صناديق الاقتراع والأصل خوض الانتخابات، غير أن المقاطعة تكون إجبارية عندما تنتهك مبادئ الديمقراطية على نحو ينزع الشرعية عن الانتخابات ويحيل اللعبة إلى عملية خداع تقررت نتائجها سلفا.

الأجواء التي تصاحب أول انتخابات نيابية في عهد مرسي تتشابه من زوايا كثيرة مع آخر انتخابات مماثلة على عهد الرئيس السابق حسني مبارك.. في الحالتين: الانتخابات بلا ضمانات والقنوات السياسية مسدودة بأوهام القوة والاستهتار فادح برسائل المجتمع الغاضب، الذي وصل في حالة مرسي إلى عصيان مدني وإضرابات عامة وصدامات دامية في الشوارع مع ترنح اقتصادي تتزايد مخاطره على سلامة الدولة والمجتمع معا.

في الحالتين: قاطعت المعارضة الانتخابات بهدف عدم إضفاء شرعية على غير ما هو شرعي.. اللافت أن الجماعة نفسها قاطعت الجولة الثانية في انتخابات 2010 على أثر التزوير المنهجي الفاضح في جولتها الأولى، بينما قاطعتها المعارضة المدنية منذ البداية.. والمثير أنها لم تستوعب درس التاريخ، وتكرر الخطأ ذاته الذي أفضى إلى نهاية حكم مبارك.

اللعبة صممت لحصد مقاعد البرلمان بلا جدارة شعبية وفيها إعادة إنتاج لما كان جاريا على عهد مبارك، كأن ثورة لم تقم، وكأنه لم يكن من بين أهدافها الرئيسة التحول إلى مجتمع ديمقراطي حر.

* كاتب وإعلامي