هل القوى الإسلامية هي المسؤولة عن حالة انعدام الثقة في الشارع؟

نعم - نعم.. ولهذه الأسباب بالذات قررنا أن نقاطع الانتخابات؟

TT

المشاركة في الانتخابات لا تعني الاعتراف بشرعية النظام التي تتآكل بالفعل بسبب مواقفه وممارساته.

على العكس المشاركة في الانتخابات، وعبر المواجهة المباشرة، قد تنجح في النيل من مشروعيته وتدفع في اتجاه إسقاطه، وعلى صعيد آخر فإننا لا نقول إننا لن نخوض غمار المعركة الانتخابية لأن الحصول على مائة أو مائتي مقعد في الانتخابات هو أمر لا قيمة له، فنحن نرى أن وجود مائة نائب معارض سيحول دون انفراد «الإخوان» بالسلطة، ويمكن أن يحقق الكثير من أهداف الثورة وتطلعاتها، وأخيرا فنحن لا نقاطع الانتخابات استدعاء للجيش، فنحن لسنا دعاة ديكتاتورية عسكرية، وإذا تدهور الحال إلى الحد الذي أصبح معه نزول الجيش ضرورة لحفظ الأمن سنطالبه بإجراء انتخابات ديمقراطية ولن نصطف معه إذا قام بأي ممارسات استبدادية.

نحن نقاطع الانتخابات لسببين:

الأول: هو احتقان المناخ السياسي والأمني الذي من المقدر أن تدور في ظله الانتخابات البرلمانية، وهو احتقان يكاد يكون مقصودا ومتعمدا وتدفع في اتجاهه دفعا ممارسات الرئيس والجماعة. وإذا تأملنا المشهد السياسي منذ الإعلان الدستوري وحتى الآن، سنكتشف أن «الإخوان» كانوا يدفعون الأمور دفعا في اتجاه الاحتقان والتوتر، وكانوا يمضون قدما في اتجاه فرض ما يرونه فرضا وكأنهم قطار ينطلق كالرصاصة لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، ولا يهتم أن يفقد أنصاره الواحد تلو الآخر، أو بالأحرى قد يطرد أو يركل هؤلاء الأنصار أو من احتاجه حليفا من القطار لأنه لم يعد في حاجة إليه، وهكذا فقد طرد أو ركل الذين وعدهم قبل يومين من انتخابه وفقد أو ركل أغلب مستشاريه ومساعديه، وفقد أو ركل حزب النور، حليفه الذي فضحه وكشف عن الكثير مما كنا نجهله. في كل خطوة كان «الإخوان» يفرضون فيها سطوتهم ونفوذهم على مفاصل الدولة ومساحات السلطة الشاغرة كانوا يعززون ذلك بتصعيد أدائهم الأمني إلى حد إعلان رئيس الوزراء أنه سيعطي قوات الشرطة حق إطلاق الرصاص الحي. ولم يكن هذا التصعيد الأمني غير مقصود أو جراء استفزازات متبادلة بين الأمن والمتظاهرين، بل كان تصعيدا مقصودا ومتعمدا لإشاعة مناخ من الإحباط واليأس. وتم هذا التصعيد وفقا لخطة مدروسة ومن خلال إشاعة حالة من التخويف والإرهاب لدفع الناس دفعا للانصراف عن الساحة، والاستفراد بمن تبقى منهم، وبالذات الشباب، في مواجهات دموية تهدف إلى كسر إرادتهم، وإثارة الناس في البيوت، حزب الكنبة، ضد السياسة والسياسيين، ودفع الأمر في الشارع إلى مواجهات دموية، وإشعال الحرائق، حرائق الفوضى، عمدا من خلال خطف الشباب وتعذيبهم حتى الموت. إذا وضعنا إلى جوار كل ما تقدم إصرار «الإخوان» على كسر استقلال القضاة وإرادتهم من خلال الإصرار على نائب عام لا يدخر وسعا في تأكيد ولائه للجماعة، سندرك، وبكل وضوح، أن «الإخوان» ماضون قدما في الدفع بالبلاد إلى مواجهات دموية واسعة، فهل يمكن أن يتم إجراء انتخابات ديمقراطية في ظل هذا المناخ؟! السبب الثاني لمقاطعة الانتخابات، من وجهة نظرنا، هو عدم تحقيق الضمانات الديمقراطية التي طالبنا بها.

صحيح أننا انتزعنا وعبر نضال طويل بعض الضمانات المهمة مثل الإشراف الدولي والمحلي على الانتخابات، وعدم اشتراط قيد مندوب المرشح في اللجنة الفرعية، ولكن من أين نضمن إشراف القضاة على الانتخابات في ظل المواجهة المستمرة بين مؤسسة القضاء وبين «الإخوان» إلى حد إعلان الجمعية العمومية لنادي القضاة عن عزمها تدويل أزمة النائب العام؟ وكيف نوافق على قانون انتخاب طعن بعدم دستوريته لكي يقوم «الإخوان» في ليل، وكما اعتادوا، بتعديلات لم تف بطلبات المحكمة الدستورية؟ كيف نوافق على تقسيم للدوائر راعى واضعوه أو بالأحرى مفصلوه أن يسقط فلان وأن ينجح علان؟ وكيف تتم انتخابات ديمقراطية والقطار، قطار «الإخوان» الذي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، يحدد موعد فتح باب الترشيح دون أن يعير أي اهتمام لطلبات المعارضة الديمقراطية ودون أن يعطي أي مهلة حقيقية للاستعداد للانتخابات؟! وكيف لنا أن نثق في حكومة هشام قنديل التي أدارت استفتاء الدستور الذي يعتبر أول عملية اقتراع تجمع منظمات المجتمع المدني التي قامت بالمراقبة على أنه اقتراع مزور بعد ثورة يناير؟ وجدير بالذكر هنا أن منظمات المراقبة التي أعلنت أن الاستفتاء مزور هي نفسها المنظمات التي كان «الإخوان» يستندون على تقاريرها ما قبل 25 يناير لإثبات أن الانتخابات في عصر مبارك مزورة، وهى نفسها المنظمات التي شهدت بنزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تمت بعد 25 يناير رغم أنها أقرت أنه شابها بعض التجاوزات. كيف لنا أن نثق في انتخابات تؤكد مصادر موثوق فيها أن الموظفين الذين تم اختيارهم للإشراف عليها تم اختيارهم من بين أعضاء «الإخوان»؟! في النهاية إليكم المشهد باختصار: احتقان سياسي بين «الإخوان» وكل معارضيهم، وأزمة في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ومواجهات دموية في الشارع، وسقوط العشرات من الشهداء والمصابين بشكل شبه يومي في أماكن متفرقة من البلاد، وعدم وجود بعضا من الضمانات المهمة الكفيلة بإجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة. أليست هذه أسباب منطقية للمقاطعة؟! لو كان «الإخوان» لديهم رغبة، أو حرص، وبأي قدر، أن تتراجع القوى الديمقراطية أو جبهة الإنقاذ عن قرارها لكانوا حرصوا على تقديم تنازلات أو إرجاء الانتخابات، أو تخفيف حدة الاحتقان، لكنهم على العكس حرصوا على دفع الأمور لمزيد من التأزم، وأنا على يقين من أنهم ماضون كالقطار في طريقهم، وقد سعدوا للغاية بمقاطعة جبهة الإنقاذ للانتخابات بعد أن تدنت شعبيتهم.

* نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي