وهل يبقى الحزب إذا سقط النظام السوري من دون خسائر؟

نعم -لن يتأثر بفضل ثقافة المقاومة والدعم الإيراني

TT

عندما وصل الزعيم الشيعي الإمام موسى الصدر إلى جنوب لبنان، آتيا من إيران خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، فإنه وجد أمام طائفة فقيرة وبائسة ومهمشة، حتى إنه يمكن القول إنه لم يكن هناك موقع حقيقي لائق للشيعة اللبنانيين في لبنان الأربعينات والخمسينات، ذلك أن «الميثاق الوطني» الذي يعود إلى الأربعينات قسم النفوذ في البلاد بين المسلمين السنة والمسيحيين الموارنة.

استمر هذا الحال حتى مجيء موسى الصدر، إذ إنه بعد استقراره بادر إلى تحفيز شيعة جنوب لبنان على التنظيم والتنمية والتعلم والمطالبة بصوت مؤثر في شؤون لبنان العامة، وكان من بواكير منجزات الإمام الصدر تأسيس معهد تدريب مهني، بعدها بدأ يتحدى الزعماء التقليديين والإقطاعيين في جنوب لبنان، والذين كانوا يسيطرون على الساحة عبر المحسوبية والاستزلام، ومن ثم طرح للجماهير الشيعية المسيسة بديلا إسلاميا عن ولاءاتهم الشيوعية والاشتراكية، عندما أسس حركة «المحرومين» ومعها بالميليشيا الخاصة بها «أمل» (أفواج المقاومة اللبنانية)، مع أنه لم يكن من المؤمنين بالعنف.

في تلك الحقبة في عقد السبعينات من القرن العشرين التحق شاب يافع من جنوب لبنان اسمه حسن نصر الله بصفوف «أمل». وقيض لهذا الشاب في ما بعد أن يلعب دورا بارزا في تأسيس حزب الله عام 1985، ومن ثم أن يلعب دورا على المسرح الدولي بصفة الأمين العام للحزب.

لقد أسس حزب الله بنتيجة تقاطع ثلاثة عوامل قوية مؤثرة، هي: الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والثورة الإيرانية عام 1979، والنهضة السياسية الشيعية التي أطلقها موسى الصدر.

وفي ما يخص «الجمهورية الإسلامية في إيران» فإنها لم تجد في «أمل» الذراع القتالية الكفؤة وكانت تريد تنظيما أوسع أفقا من مجرد الدفاع عن حقوق شيعة لبنان، وهذا ما أدى إلى تأسيس حزب الله. أما إسرائيل فإنها كانت ترى في شيعة لبنان حليفا ممكنا، وذلك لأن كثرة من الشيعة كانوا متضايقين من الوجود الفلسطيني الكثيف في لبنان، ثم من سطوة منظمة التحرير الفلسطينية، ولا سيما في الجنوب. وبالتالي، تصورت إسرائيل أن غزو لبنان سيقابل بالترحاب من الشيعة، لكن تلك الحسابات كانت خاطئة على عدة أصعدة. ولقد أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك عن رأيه في هذا الموضوع قائلا خلال مقابلة مع مجلة «نيوزويك» الأميركية عام 2006: «عندما دخلنا لبنان.. ما كان هناك حزب الله. واستقبلنا الشيعة الجنوبيون يومذاك بنثر الأرز المعطر والزهور. إن وجودنا هناك هو الذي تسبب بوجود حزب الله».

وهنا قد يكون من المفيد التوقف عند هذه اللمحة التاريخية لدى تفكيرنا بأي مستقبل ينتظر حزب الله، في خضم علامات الاستفهام حول مصيره في حال سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

لقد نما حزب الله مثل حركات كثيرة سياسية أو مقاتلة من عاصفة. التنظيم - أو الحزب كما نعرفه - منظم وملتزم إلى أقصى الحدود، غير أنه ثمة ما هو أكبر من حزب الله. إنه ليس مجرد تنظيم.. بل هو روح أيضا، يمكن أن نسميها «الحزب اللهية»، التي هي روح مقاومة التي حازت الإعجاب على امتداد العالم العربي، بفضل مرونتها و«انتصارها» على إسرائيل، وكل من حزب الله و«الحزب اللهية» في حاجة إلى العاصفة من أجل البقاء ضمن المعادلة. وبناء عليه، حتى إذا سقط الأسد لن تخبو العاصفة ولن تتراجع.

قد تعاني سوريا من حرب طائفية بشعة، ولكن كلا من حزب الله وإيران، كما تشير التقارير، يؤسسان ميليشيات لتكون جاهزة في اليوم الموعود. ولهيب الحرب الطائفية السورية قد يمتد إلى لبنان، وكثيرون من الشيعة - وليس كلهم - سيرون في حزب الله الدرع الحامية لهم من العاصفة.

وقد يخطر لإسرائيل أن تنتهز الفرصة لتسديد ضربة جديدة إلى حزب الله، غير أن هذا التصرف أيضا قد يكون له رد فعل سلبي عليها، لأن نصر الله إذ ذاك سيكون في مواجهة مريحة ومربحة جدا مع عدو طبيعي كإسرائيل، بعكس وضعه المحرج عندما يكون أعداؤه من أشقائه العرب. وهكذا فإن ضربة إسرائيلية ستفيد حزب الله و«الحزب اللهية».

من ناحية أخرى، قد يكون صحيحا أن طرق إمداد الحزب ستتأثر سلبيا وسيسقط جزء أساسي من «محور المقاومة» المكون من «سوريا - حزب الله - إيران»، ولكن حزب الله و«الحزب اللهية» سيتمكنان من الصمود طالما بقي جو العاصفة وبقي سيل المال الإيراني جاريا. ولكن هناك خطرا ذا وجهين يهدد الحزب حقا، هما سقوط النظام الإيراني الذي يشكل قوة دعمه الرئيسية، وموت حسن نصر الله قائد الحزب الكاريزمي.

عندما غاب موسى الصدر عن لبنان، فقدت «أمل» نفوذها تدريجيا، ونما نفوذ حزب الله. واليوم يود حسن نصر الله أن ينظر إلى نفسه على أنه زعيم عربي، وليس فقط كزعيم لطائفة. وعليه، مع ارتفاع حدة الاستقطاب الطائفي والمذهبي في الشرق الأوسط، وانزلاق سوريا نحو حرب أهلية محتملة، ما قد يؤشر إلى مواجهة مع إسرائيل.. قد تعطي نصر الله نبض حياة جديدا، وهدفا جديدا، وعاصفة جديدة.

حزب الله يومنا هذا مرتبط ارتباطا صريحا وبلا تردد بإيران، وهو طائفي صريح، غير أن «الحزب اللهية» تتخطى إيران. ونصر الله منسجم تماما مع «الحزب اللهية» التي هي الثقافة المجردة لـ«المقاومة»، وذلك بالمقارنة مع حقيقة الحزب الراهنة. فهو يفضل تجريد الحملات على إسرائيل التي تكسبه قلوب الجماهير العربية وعقولها.. على قمع أشقائه العرب نيابة عن إيران.

باختصار، أنا أتوقع أن يستمر حزب الله ومعه «الحزب اللهية» حتى ولو سقط الأسد، وذلك بفضل العواصف الجديدة التي ستهب على المنطقة.

* كبير مستشارين في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة «أوكسفورد آناليتيكا».