.. وهل تغيّر موقفك من الغزو بعد حصيلة 10 سنوات؟

لا- كان خاطئا.. والخطيئة الأسوأ سوء فهم العراق

TT

كان أول غربي يغزو العراق ويحتله شخصية احترمها العراقيون يومذاك وأعجبوا به حتى اليوم.. أنا هنا أعني الإسكندر المقدوني (ذو القرنين). حتى البريطانيون عندما تولوا أمر العراق حظوا باحترام بعض أهله. وأنا أذكر جيدا إبان فترة وجودي في العراق خلال عامي 2005 و2006 شيخا اسمه «الأرنس» تيمّنا بلورنس العرب. لكنني لا أتوقع أن الأجيال المستقبلية في العراق ستطلق على أولادها اسمي توني بلير وجورج بوش.

هنا يُطرح سؤال.. حول ما إذا كان التدخل الغربي في العراق عام 2003 أقل نجاحا بكثير من التدخلات السابقة؟

في الحقيقة هناك عدد من الأسباب لذلك، لكن بينها سببا بارزا، وهو أنه لأمر عبثي أن يتصوّر المرء أنه قادر على حكم بلد ليس بلده، ولكن الأكثر عبثية، بل استحالة، أن يتوهّم أن قادر على ذلك من دون الحاجة إلى فهم ذلك البلد ومعرفة لغته وعاداته وبصورة صحيحة. وهنا يبدو لي أن الغرب حسب أن تسيير الحكم في الدول العربية مسألة سهلة. أرجو صادقا أن نكون قد استوعبنا الدرس كما يجب.

أنا أعتبر أن غزو العراق عام 2003 كان حربا مجحفة لأنها لم تُخَض دفاعا عن النفس. مع هذا يمكن القول إنه حتى الحروب المجحفة يمكن أن تخلّف عواقب إيجابية. ربما كان هناك مسار بمقدور الولايات المتحدة وحلفائها اتباعه بعد غزو العراق كان سيفضي إلى حصيلة أفضل للعراقيين. ولكن من أجل إيجاد ذلك المسار كان علينا أخذ رأي العراقيين أنفسهم.. حقا آراء نسبة عالية منهم بدلا من الاكتفاء برأي شخص أو اثنين كان، أو كانا، ضمن المنضوين تحت عباءة الصفوة في واشنطن.

هذا الأمر لم يحصل. وكنا - كغربيين - مرتهنين في قراراتنا اللاحقة لحاجتنا إلى كسب رضا الرأي العام في أميركا وبريطانيا وباقي دول أوروبا، من دون أن نعبأ بالتأثير الصحيح لأعمالنا داخل العراق ذاته.

بديهي جدا أنه كان علينا أن نهتم باكرا بكيفية الحفاظ على الأمن وتأمين تطبيق العدالة، وهما المهمتان الأساسيتان اللتان كانتا غائبتين عشية انتهاء الحرب.

حالة الفوضى الشاملة التي عقبت انتهاء القتال هيأت المسرح للانقسامات الطائفية التي تمزق العراق حتى اليوم. وبدلا من فعل ما هو مناسب، ارتكب «التحالف» الخطيئة القاتلة المتمثلة بفرض «غربيين» كحكام، وهذا إجراء لم يلجأ إليه حتى اللورد كرومر في مصر الذي فضل أن يدير الأمور من وراء الستار.

هذا المقاربة الخاطئة استمرت إلى حد ما حتى بعد مغادرة بول بريمر وانتخاب سلطة عراقية.

ثم إنه حتى بعد إعداد مسوّدة الدستور العراقي، ظل السفير الأميركي، في معظم الأحيان، الشخص البارز في وسائل الإعلام. وكان ثمة خطيئة أخرى هي حل القوات المسلّحة العراقية. وفي اعتقادي، بعد إطاحة شخص صدام حسين بعيدا عن السلطة، كان من الممكن كسب «العسكر»، بل حتى قيادات في حزب البعث نفسه، للانضمام إلى تسوية ما بعد الحرب. غير أن أحدا لم يجرّب هذا الخيار، مع أنه كان يجب أن يجرّب بالتوازي مع حوار مع كبار المرجعيات الدينية في العراق، ذلك أن بعض رجال الدين يتحلّون بقدر أكبر من المسؤولية من الساسة، بل إنهم أقل منهم تعصّبا. ولكن، مع الأسف، لم يبذل الجهد المطلوب للتفاعل معهم، لا سيما أن قلة قليلة من الدبلوماسيين الغربيين كانت تدرك دور الدين في المجتمع العراقي.

هذا الواقع ليس مفاجئا، لأن قلة منّا كانت تجيد التحاور مع العراقيين.

عام 2003 شاركت في لقاء عقد المجلس المحلي في محافظة البصرة، وأذهلني سوء فهم ما كنت أسمعه بسبب تواضع مستوى الترجمة. فعندما قال البريغادير (العميد) البريطاني أمام مستمعيه إنه جاء «بكل نية طيبة» ترجم المترجم ما قاله بكلمات «لقد جلبت لكم دينا جيدا».

هل لنا أن نتصور عدد حالات سوء الفهم المماثلة التي حدثت.. لغويا وثقافيا؟

لقد كان قرار غزو العراق خاطئا، ولكن ما يصدم الراصد قلة الاكتراث بالحاجة إلى فهم العراقيين، قبل الحرب وبعدها.

الإسكندر «ذو القرنين» ما كان ليرتكب تلك الخطيئة التي ارتكبت.

* دبلوماسي بريطاني سابق والناطق العربي باسم الحكومة البريطانية بين 2001 و2003. عمل مستشارا لرئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري عام 2005.