هل خيار الاستقلال الكامل لكردستان العراق ممكن؟

نعم - لأن الأوضاع الداخلية والخارجية الآن مواتية للاستقلال

TT

لا يمكن فصل إقامة أي كيان جديد عن 3 مستويات أو أبعاد رئيسة، هي: البعد الداخلي والبعد الإقليمي والبعد الدولي. وهذا ما يصدق على إقليم كردستان العراق، في ضوء خصوصيته وموقعه.

عل مستو الداخلي البعد، فإن العوامل التي تؤهل الإقليم للتحول إلى دولة مستقلة عوامل ثابتة ومتحولة.

ضمن المقومات الثابتة الأرض: على الرغم من استقطاع أجزاء کبيرة منه في الوقت الحالي. والشعب: وهو متماسك أکثر من أي وقت مض، واللغة الرسمية والتاريخ المشترك. وضمن المقومات المتحركة: المؤسسات الدستورية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومنظمات المجتمع المدني، والموارد الطبيعية والاقتصاد الناهض، وتشمل الموارد الطبيعية في «الإقليم» قطاعي النفط والغاز اللذين اجتذبا عشرات الشركات العالمية، منها شركات عملاقة وذات نفوذ هائل.

بالنسبة للبعد الإقليمي، الأكثر بروزا وحساسية، وبما أن الظروف الآن أکثر ملاءمة للاستقلال عن أي وقت مض، يمكننا تقسيم هذا البعد إل شقين؛ داخلي وخارجي.

الشق الداخلي يتركز في العلاقة مع الدولة العراقية. هذه الدولة تمر الآن بمراحل أقل ما توصف به هي «الفوضى»، التي تتجسد في الصراع المذهبي، واستمرار أنشطة «القاعدة» والفساد المستشري. والسمة الوحيدة في علاقة بغداد بالشعب الكردي منذ تشكيلها هو العمل عل تقزيم الكرد بشتى الوسائل؛ من إجبارهم عل حمل السلاح للحفاظ عل وجودهم، مرورا باتباع سياسات قسرية وشوفينية، مثل التعريب والترحيل والتهميش والقتل المنهجي، ووصولا إل تحويل كردستان إل محرقة مفتوحة بالغاز الكيماوي، وحملات الإبادة الجماعية، مثل عمليات الأنفال. والإشكالية الموجودة في الوقت الحالي بين بغداد وأربيل تکمن في أن الساسة العرب الجدد، نسوا أن الشعب الكردي شعب جريح، وهو خارج للتو من عذابات الدولة العراقية، لذلك كان عليهم فعل الكثير من أجل بناء الثقة وكسب وده عبر تقديم اعتذار رسمي لهذا الشعب، وتعويض المتضررين فيه بأسرع وقت ممكن، وحل المسائل العالقة بشفافية وبالطرق السلمية، وتحاشي التلويح باستخدام القوة (کما فعل نوري المالكي) مهما كلف الأمر، للتمكن من محو آثار الماضي، وبناء دولة مواطنة للجميع.

أما الشق الخارجي، فيتصل بالعلاقة مع سوريا وإيران وترکيا. حالة سوريا معروفة للجميع، فليس باستطاعتها في الوقت الراهن التحرك ضد إرادة الشعب الكردي، بفعل الأزمة الداخلية و«الربيع» الذي حوله نظام بشار الأسد إل «خريف» لشعبه.

وإيران في وضع سيئ داخليا وخارجيا، فالاقتصاد الإيراني يتجه من سيئ إل أسوأ، وسط حالة واضحة من عدم الاستقرار وتفجر الصراع بين القيادات من جانب، وبينهم وبين الشعب من جانب آخر. وعلى الصعيد الدولي، فإن النظام منعزل عن العالم الخارجي إلى حد كبير ومحاصر اقتصاديا وسياسيا. وبالتالي، لا تستطيع إيران تحريك قواتها ضد «الإقليم» في ظل المعادلات القائمة، وخاصة وجود ترکيا الجديدة، ثم إن خطوة كهذه خارج حدودها مناقضة للمواثيق الدولية. وأخيرا، مصالح إيران الاقتصادية في «الإقليم» تجبرها عل الاستمرار في علاقاتها الجيدة، ولا ننس البعد الاستراتيجي الكردي داخل إيران.

وبالنسبة لترکيا، الخريطة السياسية الآن تغيرت لأسباب كثيرة، أولها الآيديولوجية العثمانية الجديدة في ثوب العدالة والتنمية، التي تعتبر نفسها ممثل السنّة في المنطقة مقابل إيران الشيعية. وثانيها أن بغداد فشلت في بناء دولة مدنية من دون آيديولوجيا أو عسكر، فدخلت في کنف إيران وساندت حكومة بشار، فأصبحت جزءا مهما من «الهلال الشيعي»، بالإضافة إلى تفريطها في الحليف الكردي، وإخفاقها في سياسة «فرق تسد» اتجاه السنة العرب. وثالثها أن أربيل استطاعت بناء علاقة متوازنة مع الجميع، خاصة مع حزب أردوغان، وفتحت الأبواب للاستثمارات الأجنبية، منها الاستثمارات التركية في الإقليم، وصولا إل دخول شركات تركية عملاقة في صناعة النفط، وبناء اتفاقيات في هذا الصدد، مما حول الكرد من أعداء إل أقرباء مقربين. ورابعها فشل الحكومة التركية في تحجيم دور الحرکة الكردية في كردستان سوريا، فحاول التعامل مع الوضع بواقعية. ولتنفيذ هكذا واقعية، ترکيا بحاجة إل الإقليم لكي يساعدها في منع خروج الوضع عن السيطرة، ومحاصرة ترکيا من الشمال من قبل حزب العمال. وخامسها، تقدم مشروع السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، الذي من شأنه خلق قوة استراتيجية لكرد الجنوب، حيث تعتبر مكانة كردستان ترکيا بالنسبة للشعب الكردي، کمكانة مصر بالنسبة للشعب العربي. وهذا من شأنه أن يعزز علاقة ترکيا بإقليم كردستان.

وعل صعيد البعد الدولي، كان موقف الغرب إزاء الشعب الكردي باردا إبان الحرب الباردة، وكان الكرد من أبرز ضحايا صراع القطبين العالميين، أما اليوم فالمجتمع الدولي من الناحية السياسية أكثر تفهما للوضع الكردي في العراق لأسباب كثيرة، منها قدرة الكرد عل إدارة الإقليم بشكل مختلف عن إدارة بغداد، والنجاح الاقتصادي، والاستقرار الأمني. وأيضا بناء علاقات سياسية واقتصادية وثقافية متطورة مع هذه الدول، حتى وصل الأمر إلى مناقشة عمليات إبادة الكرد في برلمانات أوروبا، والاعتراف بها کإبادة جماعية، ناهيك عن دخول عشرات الشركات الغربية إل الإقليم، نتيجة عروض سخية من جانب حكومة الإقليم.

کل هذه الأمور جعلت الإقليم قاب قوسين أو أدن من الاستقلال، الذي من دونه سيبق البيت الكردي بلا سيادة مفتوح الأبواب لكل من هبّ ودبّ، وتظل الشخصية الكردية تابعا معرضا لإبادات جماعية في المستقبل.

* كاتب وباحث كردي في مجال دراسات الإبادة الجماعية بجامعة برونل البريطانية