هل هناك معنى للانتخابات اللبنانية في ظل الأحزاب والتكتلات المذهبية؟

لا- التطرف المذهبي يهدد الديمقراطية..والتعصب لا يولد إلا التعصب المضاد

TT

لا يوجد تناقض، من حيث المبدأ، بين الهدف من إجراء الانتخابات كتعبير عن مشاركة الفئات والأطراف السياسية بالسلطة وبين استعار الحياة الحزبية أو حتى الطائفية. وبحسب النموذج الذي يعتمده لبنان فإن الطوائف تتقدم على الأحزاب في كثير من الاستحقاقات السياسية. لكن أخطر ما يواجهه البلد في هذه المرحلة هو التهديد الذي يتعرض له «نظام الطائف» جراء طرح بدائل عنه مثل قانون انتخاب المذاهب نوابها، والحظوة التي لاقاها هذا الطرح بين الأوساط التي اعتقدناها حريصة على مستقبل لبنان واستقراره، وكأن لبنان لم يتعرض لحرب أهلية استمرت لخمس عشرة سنة نتيجة المأزق الطائفي والامتيازات وشعور بعض الطوائف بالغبن والبعض الآخر بالغلبة.

هذه الطروحات كادت تلغي الحياة الحزبية وتنتج مكانها من الجهة المقابلة، وبدل أن نذهب إلى تعزيز الحياة الحزبية، المأزومة هي الأخرى، نرى من يراهن على حماية المذاهب والطوائف لخياراته السياسية.

الحري هو أن تكون الدولة خيارا أول وأخيرا للجميع وأن يكون منطق المشاركة والتعايش مع الآخر هو الأساس الذي تتحرك وفقه الديمقراطية التي تتهددها مشاريع وأفكار بعضها يأتي من خارج الحدود.

باعتقادي أن سطوة الأحزاب على الحياة السياسية فيها شيء من الصحة والعافية للنظام السياسي وذلك بعكس سطوة المذاهب والطوائف، إنما للأسف فحتى المعيار هذا لا يستقيم في ظل أحزاب طائفية ومذهبية تمتلك مشاريع عابرة للوطن، وربما بوجود مأزق حقيقي يتعلق بغياب المساواة بين الأحزاب وبمشكلة السلاح التي يتجاهل أصحابه ضرورة التوصل إلى تسوية حوله يضمن للبنان حياة ديمقراطية وانتخابات سليمة من دون تحوير نتائجها أو منعها من تحقيق معناها الأساسي.

الخلاف على قانون للانتخابات يعكس الرغبة التي يبديها البعض في حصد الأغلبية حتى قبل إجراء الانتخابات، وهم لا يجدون مشكلة في تعطيل الانتخابات لو أيقنوا أن النتائج ستأتي في غير صالحهم. في لبنان حاليا منطقان متناقضان تماما واحد يذهب إلى تحديد أولوياته وفقا لاعتبارات لبنانية أولا وثان تتخطى اعتباراته الموضوع الداخلي، وبالتالي فذلك يسحب نفسه على طبيعة الصراع السياسي في الداخل الذي يشكل حاليا، وللأسف انعكاسا للصراع الإقليمي الذي تخوضه إيران وحلفاؤها متخذة من دول المنطقة ساحة لهذا الصراع. وهنا، حول البعد الخارجي، فإن لبنان بلد يعيش على التسويات الدائمة بين أطراف اللعبة السياسية في الداخل، وهو في أغلب الأحيان تتداخله عوامل خارجية متعددة، وقد شكلت التناقضات الداخلية وضعف النظام السياسي مدخلا للتدخلات الإقليمية وهناك عوامل مذهبية وطائفية تجعل من بعض الفئات حقلا للتماهي مع الخارج.

درجت الساحة اللبنانية على أن تكون ساحة تعويضية عن صراعات الآخرين، ودرجت فئات في لبنان على الاستقواء بالخارج، إنما كلما كان التوافق الداخلي قويا وقائما على أسس صلبة كان في المقابل التأثير الخارجي ضعيفا، وهنا يمكن الإشارة إلى المصالحة التي حصلت بعد اتفاق الطائف وقرار حل الميليشيات وتكريس تلك المصالحة من خلال عودة المهجرين وزيارة البطريرك نصر الله صفير إلى الجبل في أغسطس (آب) 2001، ثم التلاقي العابر للطوائف في يوم 14 مارس (آذار) 2005 في مواجهة الوصاية السورية والنظام الأمني. تلك المحطات كانت تعبر عن إرادة قوية لدى اللبنانيين في رفضهم للعودة إلى منطق الحرب أو إلى اعتبار لبنان ساحة لحروب الآخرين.

في عام 2006 توصلت طاولة الحوار الوطني إلى الاتفاق على قضايا رئيسة كانت محط خلاف بين اللبنانيين وذلك بالإجماع، لكن على الرغم من هذا التوافق تملصت بعض الأطراف من تعهداتها وعجزت الدولة حتى في ظل حكومة اتحاد وطني من تطبيق بنود الحوار. وبقي بند السلاح، الذي يحمل طابعا إقليميا، غير متوافق عليه وبالتالي فقد التوافق الداخلي معناه، وأخذ التشكيك من جدوى الحوار والتوافق يصبح منطلقا لاعتبار القوى السياسية بأن الحوار في ظل استباحة الساحة الداخلية من القوى الإقليمية يقتصر على الشكل فقط وليس لديه أي جدوى فعلية. ولاحقا انفجر الصراع في 7 مايو (أيار) وعقد اتفاق الدوحة الذي تم التفلت منه عند إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في بداية عام 2011.

للأسف من الصعب التوصل إلى توافق داخلي لبناني إلا بعدما تكون الأجواء الإقليمية والدولية مؤاتية، وفي كثير من الأوقات كانت الرعاية السعودية السورية هي المنطلق للتسوية الداخلية، وهو ما تم التعبير عنه في الـ«سين سين» التي لاقت فشلها عندما أراد النظام السوري حسم التوازن لصالحه في لبنان. وبعد انشغاله بالثورة السورية حاولت إيران طرح نفسها راعيا للتسوية الداخلية بين الأطراف وذلك عبر وضع لبنان في سلة الخيارات التفاوضية مع الغرب، فإيران تعتبر لبنان واحدا من الساحات التي تستخدمها في تفاوضها مع الغرب.

* عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي