... وهل يشكل التوافق اللبناني، إذا تحقق، حاجزا أمام التدخل الأجنبي؟

لا- المتغيرات الإقليمية لا بد أن تطال جميع دول المنطقة.... ومن ضمنها لبنان

TT

بالعودة إلى تاريخ لبنان الحديث، كان لبنان عرضة لتدخلات خارجية واحتلال إسرائيلي ووصاية عربية وتأثيرات إقليمية تمتد على طول الوطن العربي والإقليمي صعودا وهبوطا بحسب المتغيرات، ولقد بلغت التدخلات حدا عاليا يصعب التخلص منه بسهولة ودون تكاليف مما يتطلب العودة إلى حوار وطني، مهما طالت جلساته، وتنازلات من جميع الأطراف حفاظا على وحدة البلاد وأمن العباد واقتصاد بات يترنح تحت وطأة الأحداث الإقليمية.

ليس غائبا عن أحد مدى نفوذ إيران ودول الخليج العربي في مجريات الأحداث في لبنان من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، ومدى تأثر الأطراف الوازنة بهذه الدول مما يرسم مشهدا قد يشتد فيه النزاع أو ينخفض بحسب قراءة هذه الأطراف الإقليمية لمجريات وبحسب الهامش الوطني الذي يستعمله الفرقاء اللبنانيون لإبعاد البلاد من الصراعات الإقليمية الواضحة.

سياسة النأي بالنفس تجاه أزمة سوريا حفظت استقرار البلاد النسبي على مدى سنتين، اجتراح سياسة جديدة مستندة على إجماع الأطراف قد تحمي البلاد في مرحلة صراع كسر العظم. لا شك في أن المتغيرات الإقليمية لا بد وأن تطال بطريقة ما جميع دول المنطقة، ومن ضمنها لبنان، ولكن التحدي الماثل أمامنا هو كيفية تخطي هذه الأحداث من خلال إجماع بالحد الأدنى على «أمن لبنان واستقراره» إن من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو المدنية أو حتى المعيشية؛ فثمة ملفات لا خلاف عليها: الكهرباء والماء والتعليم والبيئة وغيرها من الشؤون الحياتية هي أساس لكل مجتمع متحضر وتصلح كأساس يمكن البناء عليه توصلا إلى توافق سياسي أوسع وأشمل. ولعل الإضرابات العمالية الأخيرة التي جمعت كافة اللبنانيين من كافة الأطياف خير دليل على وحدة اللبنانيين في مواجهة الملفات الحياتية المطروحة والتي من شانها أن تكون مدخلا للبحث في الملفات السياسية بعيدا عن التشنج والتوتر.

وبما يخص الانتخابات، لعل الترجمة الأساسية للديمقراطية في لبنان هي في إجراء الانتخابات النيابية التي تفضي إلى استشارات ملزمة؛ فتكليف رئيس حكومة يحوز على أغلبية الأصوات ثم تأليف حكومة تحظى بثقة المجلس النيابي الذي ينتخب رئيسا للجمهورية كل ست سنوات؛ هذا اختصار بسيط لديناميكية الانتخابات في لبنان.

من نافل القول إن الأطراف المؤثرة في هذه الديناميكية تتشكل من كتل كبرى كان لها في الماضي القريب طابعا سياسيا تحول مع التحولات التي تشهدها المنطقة إلى طابع مذهبي بلغ أقصى تجلياته طرح قانون «اللقاء الأرثوذكسي» للانتخابات، حيث ينتخب كل مذهب ممثليه. والانتخابات في العالم تمر حكما من خلال أحزاب تتأرجح بين اليمين واليسار مرورا بالوسط؛ والتشكيلات الحزبية في العالم تتخذ أحيانا طابعا سياسيا أو مطلبيا أو دينيا أو فئويا، وعنصريا في بعض الأحيان؛ والآلية الديمقراطية تفي إرادة الناس في دعم وتبني أي طرح مما سبق.

من هنا، لا أرى لبنان حالة استثنائية من حيث سطوة الأحزاب أو التكتلات السياسية أو المذهبية على المستوى الانتخابي، لكن الفارق في لبنان، كما في المنطقة العربية أن هذه الاختلافات قد تتحول في لحظة إلى نزاع مسلح يطيح بالسلام الأهلي ويلغي الدورة الديمقراطية ويؤثر على التعبير الحر عن القناعات.

من هذا المنطلق يتعين على كل من يتعاطى السياسة في لبنان أن يخفض سقف خطابه المؤدي إلى توتير طائفي وأن يؤمن إيمانا جديا بالشراكة بين أبناء الوطن الواحد ويحيد لبنان عن صراعات تجري من حوله.

* ناشط سياسي ومستشار لرئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي