هل هناك مشروع سياسي سنّي في وجه التمدّد الإيراني؟

لا- لا يوجد مشروع سنّي مضاد.. فحتى تركيا لديها نزعتها القومية

TT

هل هناك مشروع سنّي في مواجهة المشروع الشيعي؟ الجواب الطبيعي هو لا يوجد مشروع مضاد، لأن المشروع السّني بكل تجلياته هو الوجه الأخر للمشروع الشيعي لأن كليهما مشروع واحد.. متكرر وإن بأوجه حديثة.. وقضايا جديدة، إلاّ أنّه بالأصل هو تطلّع كلّ من فارس وتركيا للسّيطرة على المنطقة العربية، وذلك من خلال استتباع شعوبها.. سنة وشيعة.. لدولة الجوار القوية ذات المذهب الواحد.. فإيران الشيعية عمق للشيعة العرب.. وتركيا السنية عمق للسّنة العرب.

إنّ عناصر المشروع المضاد تكون بإدراك المستهدف من هذه القوة الإقليمية أو تلك. وإذا تعمّقنا بأسباب الاستلاب المذهبي لدى الشخصية العربية، فإنّنا نجد أنّ الشخصية المستلبة سقطت عندها الهوية الوطنية، أي الانتماء للوطن أو الدولة التي يحمل جنسيتها.. ثم سقوط الهوية العربية، أي تلاشي الهوية الثقافية التاريخية، وهذا بالإضافة إلى سقوط النزعة الفردية الطبيعية لدى الإنسان.. التي تتجلى بحرية الرأي والاعتقاد.

إن بلوغ الشخصية الوطنية لدى الفرد العربي هذا الدرك من الانهيار والضعف إلى حدّ الاغتراب عن ذاته وهويّاته، والانخراط بمشاريع ذات طبيعة مذهبية، فإنّ في ذلك دلالة على عدم وجود أي شكل من أشكال المشاريع الحاضنة. وهذا نتيجة لفشل النخبة بإقامة الدولة الحديثة القادرة والضامنة لحرية الفرد وسلامته وتقدمه، مضافا إليها فشل النخبة العسكرية السياسية التي تصدّت لابتكار الأطر الجامعة ومنظوماتها، كالجامعة العربية ومشاريع الاتحاد بين الدول.. وكذلك مشاريع الأحزاب القومية العابرة للحدود..

طبعا إنّ المولّد الأساسي للمشاريع المذهبية والدينية هو قيام دولة إسرائيل بقرار من مجلس الأمن عام 47، وبإقامة دولة يهودية ودولة عربية في فلسطين.. وكذلك القرار الأممي بإقامة دولة باكستان الإسلامية أيضا في عام 47. وكِلتا الدولتين قامتا بقرار من مجلس الأمن وعلى أساس ديني. وليس صدفة أن تحظى إسرائيل بدعم إيران الشاه بكلّ حروبها مع العرب.. والمعروف أن شاه إيران أمّن كلّ احتياجات إسرائيل النفطيّة في كلّ حروب إسرائيل مع العرب. كذلك، فإن إيران الإسلامية الشّيعية الخمينيّة اعتبرت الصراع مع إسرائيل بوّابتها إلى المنطقة وشعوبها. ونجحت نجاحا باهرا بسبب المكانة الرفيعة التي تحتلّها القضية الفلسطينية في الوجدان العربي.. أفرادا وجماعات. وهذا، بالإضافة إلى ما تسبّبت به إسرائيل من اعتداء على أمن واستقرار المنطقة أفرادا ودولا. وجاءت تركيا، بعد ارتدائها حلّتها الإسلامية، لتخبئ تحتها نزعتها القومية التركية.. متخذةً مثالا لها النموذج الفارسي الذي ارتدى لبوسه الإسلامي الشيعي سبيلا لطموحه الفارسي.

ونستطيع أن نقرأ العلاقة المميزة بين إيران وتركيا على مرّ التاريخ منذ قيام الإمبراطورية العثمانية.. التي كان سبب دخولها إلى المنطقة العربية هو ردع الطّموح الصفوي للدولة الفارسية الشيعية. إذ جاء السلطان العثماني إلى المنطقة عام 1516 وما عُرِف بمعركة مرج دابق.. ليقسّم المنطقة بين السنة والشيعة، أي بين تركيا وإيران. والغريب أيضا أن تركيا كانت على مرّ سنين الصراع العربي الإسرائيلي حليفا قويا لإسرائيل. وعندما أرادت الدخول إلى المنطقة اختارت القضية الفلسطينية ممرّا للوجدان العربي الذي بدأ يخاف من التّمدّد الإيراني الشيعي في وجدان أفراده وشعوبه، مع العلم أنّ التّبادل التّجاري الآن بين تركيا وإيران هو في أعلى مستوياته.

الواضح الآن أن «المشروع الحقيقي» هو قيام إقليم بدول عسكرية كبرى هي إسرائيل وتركيا وإيران، على الرغم مما يدور من تخاطب وتهديدات. ذلك محاولة لتحسين الشّروط واقتسام المنطقة داخل دائرة نفوذها، على أن يكون كلّ من لبنان وسوريا والأردن مدى حيويا لكلّ من إسرائيل وتركيا، والعراق مدى حيويا لإيران..

يعتقد البعض أنّ شدة الانتظام لدى الشيعة هي «مشروع» و«تنظيم».. وأنّ مقاومته تستدعي عملا مماثلا. وطبعا هذا أمر غير دقيق. وإنّنا نقول للذين يتحدّثون في ذلك إنهم لا يعرفون لا السنّة ولا الشّيعة. فالانتظام عند الشّيعة هو في صلب الفروض الدينية نتيجة لمبدأ التّقليد عند الفرد الشيعي.. هذا بالإضافة إلى اعتبار أن استمرار الدين يكون بوجود الإمام المقدّس.. الذي له عصمة النّبي (عليه الصلاة والسلام).. باستثناء الوحي.. هذا بالإضافة إلى النسب الشّريف للرّسول (عليه الصلاة والسّلام).. بالإضافة إلى أن نظام الحقوق وهو أساس المذهب الفقهي الجعفري يجعل من التّشيع عملية انضباط والتزام تفصيلي بكلّ تفاصيل الحياة. في حين أنّ أصل السّنة يقولون بإمامة الدولة التي أجمعوا عليها.. وتقوم على الصواب والخطأ.. وليس على العصمة..

يحتمل هذا الموضوع تفاصيل كثيرة، حديثة وتاريخية. وإنّ المشروع الإسلامي السنّي الذي يدّعي المواجهة مع المشروع الإسلامي الشيعي.. إنّما هما مشروع واحد.. وإنّ التّصدي له لا يكون إلاّ بقيام الدولة الوطنية الحديثة والعادلة والقادرة والحاضنة، وكذلك بقيام منظومة عمل عربي اقتصادي ثقافي اتحادي قائم على احترام حقوق سيادة الدول والخصوصيات المكوّنة للمجموعات الوطنية العربية.

* كاتب سياسي لبناني