... وهل المواجهة حتمية بين منطق «المهادنة» الإخواني ومنطق «التصدّي» الجهادي؟

لا- ... مواجهة المد الشيعي لا تتطلب القطيعة الكاملة مع إيران

TT

يمكن القول إن الجماعات السلفية والجهادية لا تملك رؤية استراتيجية لجهة التعامل أو التعاون مع إيران، ولكن يجب علينا أن نعترف أيضا أن مواجهة المد الشيعي لا تتطلب في الوقت ذاته القطيعة الكاملة مع العاصمة طهران، لأن وجود العلاقات مع إيران يتيح إمكانية التأثير في المواقف الإيرانية المحيطة بنا.

هذا طبعا لا يغني عن ضرورة الاستعداد لبناء قوتنا العربية، لأن إيران تعمل على قوتها الموجودة حاليا منذ أكثر من 30 سنة، ولا تتوقف. أما نحن كعرب فقد فشلنا أن نفعل الشيء نفسه.

أما من جهة جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، فيجب الاعتراف بأنهم يهادنون إيران لأنهم يشعرون بانحسار الدعم العربي لهم، بعد سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك. بل يشعر الإخوان أيضا أن الدعم العربي يوجه إلى قوى مناوئة لحكمهم في مصر. وبالتالي، توجه نظام الرئيس مرسي القادم من قلب جماعة الإخوان نحو إيران لأنه في الأساس إيران دولة إقليمية كبيرة، لا يمكن تجاهلها من وجهة نظر الإخوان.

ومن وجهة نظر النظام الحاكم الجديد في مصر أيضا فإن العلاقات مع إيران ربما تساهم في ضبط الإيقاع في المواقف العربية المختلفة. ولكن من الواضح أن إيران تسعى في السر والعلن إلى مد يد المساعدة إلى النظام الجديد في مصر في مجالات مختلفة.

في أي حال، على الرغم من كون أهل السنة يمثلون نحو 90 في المائة من المسلمين في العالم فهم لا يمتلكون حتى الآن مشروعا استراتيجيا قادرا على احتواء التمدد الشيعي الإيراني الذي يعمل على توسيع رقعة انتشار المذهب حول العالم وتثوير ودعم الأقليات الشيعية في الدول السنيّة واستخدامها كأوراق للضغط في صراع يتسع ويتشعب سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وإعلاميا.

وبعد مرور أكثر من 30 سنة على الثورة الإيرانية تشهد منطقتنا العربية انقساما طائفيا غير مسبوق بين السنة والشيعة، خاصة بعد بروز القوى الإسلامية السلفية والجهادية بعد ثورات «الربيع العربي» التي تفتقد، رغم حماسها الواضح، إلى الرؤية الاستراتيجية لمواجهة ما تصفه بالخطر الشيعي. وفي المقابل، استفادت إيران منذ الشهور الأولى للثورة الإيرانية من الإخفاقات العربية، وتعلمت من حرب الثماني سنوات التي خاضتها ضد نظام صدام حسين في العراق أن تعتمد على نفسها. وفهمت أن بقاءها كدولة قومية فارسية شيعية وسط محيط عربي سنّي يعتمد على مدى قدرتها على امتلاك القوة العسكرية الرادعة، مع التمدد الديني والثقافي والإعلامي الذي يكسر حاجز العزلة التي تحاول القوى الغربية فرضها عليها. وهذا الوضع نلمسه اليوم في إطار الصراع المهدد بالاشتعال في أية لحظة على خلفية النزاع حول امتلاك إيران مشروعا نوويا بات يشكل خطورة تستشعرها كل من إسرائيل وأميركا اللتين تهددان إيران علانية بتدميره.

إيران دولة قومية تتخذ من المذهب الشيعي ستارا وغطاء وآيديولوجيا تساعد على توحيد الأعراق والشعوب التي تتكون منها إيران من الفرس، والأتراك، والأكراد، والعرب، والبلوش، والتركمان. وعندما تتعارض القومية الإيرانية مع الإسلام فنزعة القومية تتغلب. ولا تتردد إيران - على سبيل المثال - من اتخاذ أقسى الإجراءات ضد الشركات والدول التي تستخدم اسم الخليج العربي بدلا من الفارسي كما تسميه، رغم أنه يفترض أن العربية هي لغة القرآن والعرب هم قوم النبي (صلى الله عليه وسلم) وعترته وهو نسب يشرف أي مسلم!! ومن هنا فإن التمدد الشيعي الإيراني هو في حقيقته إحدى أدوات السيطرة القومية الإيرانية التي تريد أن تتحوّل إلى قوة إقليمية عظمى بعد أن تجتاز ما يسمى بمرحلة الأمان النووي وهي المرحلة التي سيستسلم فيها الجميع وعلى رأسهم أميركا وإسرائيل ويعترفون بالعجز عن التأثير على فاعلية المشروع النووي الإيراني والتسليم بإيران النووية.

لو كانت القضية مع إيران مذهبية فقط لأمكن التعايش معها كما تعايشنا عبر قرون طويلة، إلا أن ما تشهده المنطقة من صراع مذهبي حاد وتحضيرات لحروب آتية يستخدم فيها الدين والمذهب كإحدى أدوات الصراع، كل ذلك يدعونا للعمل لاستعادة حصوننا ودعم الاستقرار العقدي والفكري والثقافي والإعلامي عبر برامج وجهود تبذل على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية، هذا بالإضافة لعمل استراتيجي يستهدف تغيير المسار من الاستهلاك إلى التصنيع، والإنفاق على البحث العلمي والتعليم والانتقال ومن الحماية الأجنبية للاعتماد على النفس في بناء قدراتنا الدفاعية، أما خوض الصراع بالحناجر والهتاف والزعم بأن هذا هو الواجب فهذا استمرار لمسلسل الفشل الذي يجب أن يتوقف.

* المستشار السياسي لحزب البناء والتنمية في مصر