في ظل المتغيرات السريعة التي تشهدها إيران.. هل تتوقع تغير طبيعة العلاقة بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية المقبل على رأس هرم السلطة؟

نعم- .. وسيغيرها ضغط القوى الديمقراطية والمجتمع الحي في إيران

TT

الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل. فهل سيسمح لجميع المرشحين البارزين بخوض الانتخابات؟ وهل ستسير العملية الانتخابية بسلام وانتظام ونزاهة، أم سنرى عملية متنازعا على نزاهتها كما حدث عام 2009؟

إنه، بكل بساطة، من الصعوبة بمكان توقع حصيلة الانتخابات هذه المرة. وهنا سأركز على «سيناريو» واحد مع مختلف تداعياته.

ضمن هذا «السيناريو»، قد يتعرض كل من الرئيسين السابقين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، بالإضافة إلى إصفنديار رحيم مشائي، الذي أعده الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد لخلافته، إلى ضغوط للإحجام عن الترشح أو رفض مجلس صيانة الدستور اعتماد وثائق ترشحهم. وفي المقابل، قد يُسمح لمرشحين آخرين من المعسكرين المتنافسين بخوض الانتخابات. وفي هذه الحالة يفوز أحد المرشحين المحافظين المقربين من آية الله علي خامنئي. وهنا ستؤدي نتيجة كهذه ليس فقط لمفاقمة حالة الانقسام والتفتت بل ستفضي أيضا إلى زيادة التوتر بين المجتمع المدني والدولة. وسيواصل آية الله خامنئي اتخاذ القرارات الاستراتيجية الرئيسة بينما يظل رئيس الجمهورية تابعا له، ومن شأن وضع كهذا جعل الجمهورية الإسلامية أقل «جمهورية» وأكثر «إسلامية»، وكذلك أشد تسلطا.

إن ثمة أسبابا دستورية وسياسية قد تجعل من هذا «السيناريو» حقيقة واقعة. فـ«مهندسو» الدستور الإيراني أوجدوا نظاما ثنائيا يشكل فيه المرشد الأعلى مركز السلطة الأقوى، ويتبعه رئيس الجمهورية. ولقد خلقت هذه التركيبة شدا وجذبا متطاولين بين هاتين المؤسستين.

عام 1989 انتخب رفسنجاني رئيسا وخامنئي مرشدا أعلى. وكان خامنئي في سبيل تثبيت أقدامه بحاجة إلى رفسنجاني، رجل السياسة المحنك، الذي لعب دورا حاسما في إقناع «مجلس الخبراء» باختياره - أي خامنئي - لمنصب المرشد الأعلى. وعمل الرجلان معا متعاونين منسجمين، وفي حين تولى رفسنجاني الإشراف على شؤون الاقتصاد، عمل خامنئي بتؤدة ومنهجية على تجميع السلطة الحقيقية في يديه، واستمر إلى حين التوازن بينهما.

غير أن هذا التوازن اختل عندما فاز خاتمي بالرئاسة عام 1997، متغلبا على منافسه علي أكبر ناطق نوري، المدعوم من المرشد الأعلى. يومها أدى حصول خاتمي على أكبر عدد من الأصوات يحصل عليه رئيس إيراني، إلى تشجيعه على جعل الجمهورية الإسلامية أكثر ديمقراطية وشفافية. غير أنه جوبه بمناوأة ممنهجة من خامنئي ومناصريه، ومن ثم، بعد مرور ثماني سنوات من تبوء خاتمي الرئاسة، مالت كفة النفوذ باتجاه آية الله خامنئي، الذي خرج من الصراع أقوى مما كان في أي وقت مضى.

ثم في عام 2005 اختار رفسنجاني، القلق جدا من اختلال ميزان النفوذ، أن يخوض معركة الانتخابات الرئاسية، إلا أنه خسر أمام منافسه المغمور، في حينه، محمود أحمدي نجاد المدعوم من المرشد الأعلى. وخلال الفترة الرئاسية الأولى ظل أحمدي نجاد أداة طيعة لآية الله خامنئي. واستفاد أحمدي نجاد كثيرا من هذا الولاء، بل والتبعية، ذلك أنه في انتخابات 2009 المتنازع على نتيجتها وقف خامنئي بقوة مع أحمدي نجاد بعدما اتهمه غريمه الأبرز مير حسين موسوي بتدبير «انقلاب» انتخابي.

ولكن خلال السنوات القليلة الفائتة، اتسمت العلاقة بين أحمدي نجاد والمرشد الأعلى بالتوتر، بسبب ما نظر إليه البعض على أنه محاولة «لتقليد الزعيم الروسي فلاديمير بوتين» في مجال السعي لتمهيد طريق الرئاسة إلى حليفه وربيبه السياسي إصفنديار رحيم مشائي. وعبر هذا المسعى كان عمليا يؤسس لنفسه «قاعدة نفوذ» خاصة به وبمشائي. هذا الوضع أثار قلق كل المرشحين البارزين للرئاسة، وبالأخص من التيار المحافظ من أنصار خامنئي، الذي سبق له أن اتهم مشائي بـ«الانحراف» العقائدي.

في أي حال، سيكمن التحدي الحقيقي لنفوذ آية الله خامنئي في ترشح خاتمي أو رفسنجاني.

بالنسبة لخاتمي، فإنه يظل بصورة أو بأخرى أكثر ساسة إيران شعبية، بيد أنه يفتقر إلى الكياسة والمزاج اللذين يتيحان له تحدي خامنئي. أما رفسنجاني، فإنه أسس لنفسه شبكة علاقاته الخاصة داخل الجمهورية الإسلامية، وهو يتمتع بالمهارات والشعبية والخبرة اللازمة لهذا التحدي.

وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات المرتقبة، فإن العلاقات القائمة حاليا بين رئيس جمهورية منتخب ومرشد أعلى غير منتخب مسألة لا يمكن أن تظل من دون تغيير، وهي ستتغير أو تعدل بضغط القوى الديمقراطية من داخل النخبة الحاكمة والمجتمع المدني الإيراني النابض بالحيوية.

* أكاديمي إيراني، أستاذ العلوم السياسية والمدير التنفيذي مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في جامعة ساوث فلوريدا بالولايات المتحدة