في ظل المتغيرات السريعة التي تشهدها إيران.. هل تتوقع تغير طبيعة العلاقة بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية المقبل على رأس هرم السلطة؟

لا- .. إلا إذا نجح التيار الإصلاحي واضطر المرشد الأعلى للتفاهم معه

TT

بالنسبة لاحتمالات إعادة تعريف العلاقة بين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ورئاسة الجمهورية في إيران، في المستقبل المنظور، فإن الأمر لا يمكن التكهن به إلا من خلال قراءة ما يجري الآن في إيران مع المنطقة والعالم؛ فالصراع بين المرشد الأعلى والرئاسة - أو السلطة التنفيذية عامة - قائم منذ فترة ليست بالقصيرة. والبوادر ظهرت في انتخابات الرئاسة الماضية، وما حدث فيها للمعارضين والمرشحين المعارضين المنافسين للرئيس محمود أحمدي نجاد، والعنف الذي جرى خلال تلك الانتخابات الرئاسية، إلا أن انحياز المرشد الأعلى للرئيس محمود أحمدي نجاد، كان واضحا في نهاية المطاف.

لكن من الواضح أيضا أنه ظهرت بوادر لمعارضة النظام كما هو، وليس معارضة فكرة الثورة الإسلامية ككل.

المعارضة لم تكن منصبة على فكرة الثورة الإسلامية والمبادئ التي جاء بها عهد آية الله الخميني، ولكن في التركيبة الحالية من الداخل، وفي ممارساتها بعضها مع بعض.

ظهر ذلك في المواقف الحدية الصعبة المتطرفة تجاه المعارضة التي تنتهج المسار الإصلاحي. وحدث ذلك بالتزامن مع إطلاق حرية الحركة لرئيس الجمهورية، بدعم من مرشد الثورة الإيرانية الحالي آية الله علي خامنئي.

وبينما إيران مقبلة على انتخابات رئاسية، أعتقد أن التيار الإصلاحي، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الحادة التي حدثت، تعطي الفرصة الأكبر للتيار الإصلاحي لكي يحرز تقدما في الانتخابات المقبلة. ولدينا أيضا زخم ثورات «الربيع العربي» التي حدثت، خاصة في مصر، والتحرك المصري الإقليمي المتوازن، سواء مع تركيا أو فلسطين، خاصة مع حركة حماس. هذه الحركة التي كانت ذراع بروباغاندا رئيسية لأحمدي نجاد والنظام الإيراني، يمارس من خلالها التأثير في المنطقة.

ملف حماس على سبيل المثال، مهم جدا للإيرانيين. فاليوم حماس وجدت في «الإخوان المسلمين» في مصر الحاضنة الأقرب إليها من إيران.

لكثير من الاعتبارات الإقليمية والدولية، سيبدأ الداخل الإيراني، من جانبه، في التعديل من ممارساته؛ فالميكنة التي كان يعتمد عليها أحمدي نجاد، وهي الوضع الإقليمي، بدأت تضعف.. حماس اتجهت إلى لمصر، وحزب الله لديه مشاكله في لبنان، والموقف الأخطر هو ما يعانيه نظام بشار الأسد. كل هذا أضعف من موقف التيار المتشدد الذي يقوده أحمدي نجاد والمرشد الأعلى، وبالتالي، أصبح هناك إدراك أن هذا التيار يؤدي إلى الضرر بالمصالح الإيرانية أكثر مما يحصل عليه من نفع.

وأرى أن المزاج العام الإيراني أصبح يدرك أنه من المصلحة الإيرانية الآن أن يتم بناء علاقات جديدة ومتوازنة مع دول المنطقة والعالم.. مع مصر مثلا في دورها الجديد، ومع تركيا، ومع القوى الدولية.

والتيار الذي يمثله أحمدي نجاد لم يعد صالحا لأن يلعب هذا الدور. وبالتالي، هذا يعطي فرصة أكبر للتيار الإصلاحي للمنافسة، سواء من خلال تيار محمد خاتمي أو علي أكبر رفسنجاني، أو غيرهما من وجوه جديدة تطرح نفسها الآن.

التيار الإصلاحي، بلا شك، لن يكون تصادميا، وبالتالي سيجد المرشد الأعلى نفسه أمام تيار شعبي جارف، أتوقع أن يجد المرشد الأعلى إزاءه المخرج المناسب في أن يؤيد من يختاره الشعب، وسيتحدث باعتبار أنه مع الإرادة الشعبية، وكل هذه المصطلحات التي من السهل أن يخرج بها من الموقف الذي سيواجهه في حال فوز الإصلاحيين.

على الجانب الآخر، أرى أن التيار الإصلاحي لن يعادي المرشد الأعلى، بل أتوقع أن يحاول تحييد موقفه، ذلك أن إيران تحتاج إلى طرح جديد، والوجوه القديمة وسياساتها غير صالحة لهذا الدور الذي لم يعد مقبولا حتى إقليميا. ثم إن السياسة الإيرانية بطبعها سياسة براغماتية تسعى لمصالحها، وستجد أن المرحلة تفرض عليها التغيير، ولا خيار أمامها غير التعاطي مع هذا التغيير.

طهران اليوم تقول، رغم كل شيء، إنها مستعدة للتفاهم بخصوص الأزمة السورية. وعلى الصعيد الدولي الخطاب الإيراني آخذ في التغير بقولها إنها مستعدة للتفاهم أيضا، ومستعدة لتنفيذ القرارات الدولية، وللتفتيش على برنامجها النووي.

كذلك يمكن أن يلاحظ أن لهجتها أصبحت أقل عدوانية تجاه الخليج في الفترة الأخيرة. وكل هذه التطورات ومحاولات التماشي مع الظروف الجديدة والواقع الجديد، ستنعكس على الموقف الداخلي، وبالتالي، سيكون هناك سعي للبحث عن وجوه جديدة تكون مقبولة إقليميا ودوليا.

أعتقد أن الصراع بين الإصلاحيين الذين سيصلون للسلطة التنفيذية، والمتشددين الذين يمثلهم خامنئي، سوف يكون له طابع سلمي وليس صداميا.

* مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية في العاصمة المصرية القاهرة