... وهل يتحمل الاقتصاد المثقل بالعقوبات الدولية صراع نفوذ طويل الأمد بين الجانبين؟

نعم- .. لأنه في تحسن ولأن آثار ما بعد 2009 على طريق الاحتواء

TT

منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929 في يونيو (حزيران) 2010، وما أعقبه من رزمة عقوبات أميركية - أوروبية من خارج التوافق الأممي في تموز (يوليو) من عام 2012، ترتفع وتيرة منسوب الربط بين مفاعيل العقوبات وانسياباتها الداخلية على المستوى الإيراني باطراد، وإلى حدود الذهاب نحو توقعات مضمونها ينهض على افتراض يستقدم اشتباكا بين المكونات السياسية والاجتماعية انطلاقا من الآثار السلبية لمنظومة الضغوط الاقتصادية والمالية على إيران. ولكن هذا ما يناقض واقع الحال.

لعل الاستعانة بتقارير صندوق النقد الدولي تغني عن الإطالة والإسهاب: ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2012، أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا عن تأثيرات العقوبات الدولية على إيران خالف فيه التقديرات السياسية القائلة بتأرجح الاقتصاد الإيراني بين حبال المخاطر ووهادها. وعلى الرغم من إشارة صندوق النقد إلى تراجع ميزان التعاملات التجارية فإنه أقر بتحقيق فائض بنسبة 3.4%. والمفارقة التي أوردها التقرير تكمن في توقعه تراجع نسبة التضخم من 25.2% إلى 21.8%. وفي شهر أبريل (نيسان) 2013، أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا جديدا، أكد فيه، احتواء إيران كل أنماط الخلل في ميزان المدفوعات، وابتعاد العقوبات عن إحداث تأثيرات عضالية تصيب الاقتصاد الإيراني بالشلل. وتوقع التقرير أن يشهد هذا الاقتصاد نموا في عام 2014 بنسبة 1.4%.

طبعا لا تنطوي لغة الأرقام والنسب المذكورة، على انتفاء الآثار السلبية لمنظومة العقوبات على إيران، إنما الحديث هنا، يدور حول خروج المآلات عن الآمال. ففي وقت تقلص حجم الصادرات النفطية بحدود 700 ألف برميل يوميا وتدنى سعر العملة المحلية نحو 40% في الأشهر الأولى لسريان مفاعيل العقوبات، ورفع سعر الفائدة إلى عشرين%، فإن سياسة امتصاص الإسفنجة التي اتبعتها طهران بعد ذلك، أفضت إلى مراوحتها على المرتبة 17 بين 183 دولة من حيث حجم الاقتصاد الكلي بواقع 500 مليار دولار وبطاقة شرائية تصل إلى 930 مليار دولار.

وانطلاقا من ذلك، فإن ميزان التبادل التجاري الإيراني للعام الفارسي الفائت الذي انتهى في 20 مارس (آذار) 2013 وصل إلى 94 مليار دولار من دون احتساب الصادرات النفطية، في حين تُظهر علاقات إيران الخارجية اتساعا في مساحات التبادل التجاري على أنواعه مع الخارج. تركيا، مثلا، ارتفع حجم علاقاتها التجارية مع إيران إلى 17 مليار دولار في عام 2012، وارتفعت الصادرات النفطية إلى الصين إلى 500 ألف برميل يوميا في الشهور الأولى من العام الجاري. ومع باكستان أطلق مشروع أنابيب الغاز في مارس المنصرم، الذي سيتيح تصدير 21 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى باكستان سنويا. ويقول عاصم حسين، مستشار رئيس الوزراء لشؤون البترول والثروة المعدنية الباكستانية، إنه سيجري توقيع أتفاق مع إيران لإنشاء مصفاة لتكرير البترول تبلغ طاقتها أربعمائة ألف برميل يوميا، وأما أمن عام وزارة التجارة الهندة اروتد ميهتا فيتوقع أن تصل قمة التبادل التجاري بن إيران والهند خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى أکثر من 25 ملار دولار. ثم إن كوريا الجنوبية استأنفت استيراد الغاز الطبيعي من إيران بمعدل 73 ألف طن، بحسب بيانات جمركية في أبريل الجاري.

وفقا لما سبق، تخلو منظومة العقوبات على إيران، من إمكانية توليد حالة صدامية بين السلطة والأطر السياسية المعارضة، إذ إن صواعق التفجير المفترضة في العقوبات المفروضة لا تحمل شروط الانفجار أو الاشتعال، وهذا يؤدي إلى البحث عن عوامل صدامية أخرى، منها - افتراضا وتساؤلا - تداعيات الانتخابات الرئاسية في عام 2009.

من هذا التساؤل الافتراضي يمكن التمعن في الأسباب الكامنة وراء ضبابية التأخر في حسم الأسماء المرشحة للانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو المقبل. إذ لا «المبدئيون» بتياريهما الاثنين عرفوا إلى الحسم طريقا ولا المحافظون المدعومون من مصباح يزدي تبينوا سبيلا إلى أحدهم، ولا الدائرة المحيطة بالرئيس محمود أحمدي نجاد استقرت على الخيار الأخير، وهو أمر ينطبق على واقع الإصلاحيين على الرغم من عودة الرئيس السابق السيد محمد خاتمي إلى دوائر الضوء.

إن انعدام حسم الأسماء المرشحة لخوض السباق الانتخابي، يبدو سلوكا سياسيا متفقا عليه بين مختلف القوى السياسية الإيرانية، بهدف العمل على احتواء الآثار الناجمة عن مرحلة ما بعد انتخابات 2009. وحين يقال «احتواء» فهذا يعني البحث عن تسويات تدفع الإصلاحيين إلى الإحجام عن مقاطعة الانتخابات، وقد تصل إلى حدود رفع الإقامة الجبرية عن المرشحين الرئاسيين السابقين مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وحقا، شهدت الأسابيع القليلة الماضية خطوات متقدمة في الاتجاه المذكور. فقد استقبل المرشد الأعلى السيد علي خامنئي في أوائل مارس الماضي ثلاث شخصيات إصلاحية (الوزيران السابقان عبد الواحد موسوي لاري وإسحق جهانكيري والنائب السابق مجيد أنصاري)، وقال خامنئي في يوم 21 من الشهر نفسه إن «الانتخابات ليست حكرا على أحد». وبعد ذلك بيومين دعا أحد أهم الرموز الأصولية، والمقرب من المرشد، حبيب الله عسكر أولادي، إلى إغلاق ملفي مير حسين موسوي ومهدي كروبي.

ما يراد قوله ختاما أن التوازنات التي ضبطت الإيقاعات الإيرانية منذ بروزها عام 1984، وحادت عن جادتها إثر انتخابات عام 2009، يعاد الضخ في شرايينها مجددا. وفي ظل «سياسة الأبواب المفتوحة» التي يعمل على قواعدها في هذه الآونة، يرجح أن لا تطغى السخونة على المشهد الانتخابي الرئاسي المقبل في إيران، لأن رموزا أساسية في التيار الإصلاحي استقرت على مراجعة نقدية لانفعال اللحظة الانتخابية في عام 2009.

* كاتب لبناني ومقدم برامج تلفزيونية في قناة «العالم» الإيرانية