هل تتوقع تغير الخارطة السياسية في تونس بعد الانتخابات المقبلة؟

نعم - سيتغيّر الوضع بعد الانتخابات ولن يُلدغ التونسيون مرتين

TT

تحاول حركة النهضة في تونس بقياداتها اليوم أن تؤمن استمرارية معينة في الانتخابات المقبلة وهي اليوم في سباق محموم. تسعى إلى ذلك بطرق شرعية وغير شرعية.. وهذه الحركة أصلا كان وصولها إلى الحكم بمثابة حلم، أو هو ضربة حظ لن تعاد.. لأن الحظ لا يبتسم مرتين، مثلما أن التونسيين لا يلدغون من جحر النهضة مرتين.. لأن حلمهم أصبح كابوسا علينا.

ثمة أربعة شروط - ثم شرط خامس أصلي - لاستمرارية حكومة النهضة، وجميعها قد سقطت. وعناوينها أربعة أحداث مهمة قلبت البلاد رأسا على عقب، وكانت نتيجة مباشرة للجهل بالديمقراطية وبقواعد التسيير. وهي التي ستكون أيضا سببا في سقوط مدوٍّ لحركة النهضة في الانتخابات المقبلة.

أولها، حدث الاعتداء على السفارة الأميركية يوم الجمعة 14 سبتمبر (أيلول) الماضي، ونعلم علم اليقين أن وزيرا نهضويا كان يوم الجمعة يؤم المصلين في أحد الجوامع ويحث المصلين على الخروج أمام السفارة، وكان يتعامل مع رابطات حماية الثورة وبعض السلفيين فغرّر بهم وأوقعهم. ويومها ظنوا أنهم سيستعرضون عضلاتهم ويثبتون قوة سياسية في التأطير. ولكن كالعادة «خانها ذراعها في التنظيم» فتنصلت من المسؤولية. وبهذا الحدث سقط شرط احترام العلاقات الدولية، فحكومة لا تحمي بعثات الدول لن تستمر.

ثاني الأحداث، كان الاعتداء على الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 4 ديسمبر (كانون الأول) من قبل ما يُسمى «رابطات حماية الثورة»، وهي ميليشيات يديرها بعض أعضاء حزب المؤتمر التابع لرئيس الجمهورية وبعض قيادات حركة النهضة. ولقد أثبتت كل التقارير أنهم استهدفوا إسقاط «الاتحاد»، وفاتهم أنه هو من أمّن نجاح الثورة. استهدفوه لأنه يؤمّن التوازن السياسي ويمنع تغوّل حركة النهضة. إن الشعب بطبيعته ملتف حول قيادة «الاتحاد» أكثر من إيمانه بالحكومة وأكثر من إيمانه بـ«الترويكا» (الحاكمة). وهو يعرف أن أعضاء «الاتحاد» علمانيون متطرفون.. وفعلا أغلب التونسيين اليوم يرون في تطرّف العلمانيين وطنية وإيمان بعض النهضويين خيانة. ولذا فهم يفضلون اليوم أن يلدغوا من «العلمانية الديمقراطية».. وبهذا الحدث سقط شرط الاستقرار، فحكومة لا تحمي منظماتها الوطنية ليست قادرة على ضمان الاستقرار.

ثالث الأحداث، هو اغتيال الشهيد الرفيق شكري بلعيد، وكان ذلك بسبب تهاون الحكومة النهضوية. طبعا أقول «النهضوية» لأن حزب المؤتمر شق من النهضة وحزبنا حزب «التكتل» يشتغل «خماسا» عند النهضة. بل إن بعض قيادات النهضة هي من اغتالته سياسيا باستعداء بعضهم عليه. لقد وجّه إليه وزير الداخلية، أي الوزير الأول الحالي، الاتهام بالوقوف وراء الحراك الاجتماعي.. ربما لأن الموضة «هي غلطوني».. وما أشبه هذا بذاك. لقد كان شكري أحد السياسيين الأذكياء الذين انتبهوا قبل غيرهم إلى تغول حركة النهضة ورغبتها في «مصادرة الدولة وجعلها ملكا لها فهي ضمن ما ملكت أيمانهم وهما». كل التونسيين كانوا ينتظرون حدثا عظيما وكان شكري الضحية الأولى. ويوم جنازة الشهيد سقط القناع مرتين: مرة، لما شاهدنا «رابطات حماية الثورة» تفسد الجنازة وهم «ضمير الثورة» كما يدّعي قائدهم. وفعلا هم ضمير الثورة المنكوب ينقضون على سيد الثورة. وليراجعوا أشرطة فيديو الثورة حتى يجدوا فيها الشهيد في كل مظاهرة. وفي الجانب الآخر سيجدون «ضمير الثورة المنكوب» كيف خرجوا ليلة 13 يناير (كانون الثاني) صوتا وصورة يدافعون عن الرئيس السابق زين العابدين بن علي.. والأسماء هي هي والوجوه الداكنة هي هي. بهذا الحدث سقط شرط أمن الناس أفرادا وجماعات.. وما حيلة الحكومة العاجزة غير الصبر، ولكن الشعب يريد حكومة حازمة لا صابرة.. ولن يصوت التونسيون لمن بارك اغتيالا أو ساند عنفا أو كذب متعمدا.. وبمعنى آخر ستستفيق النهضة من الحلم.. وسيبقى فقط الصادقون منها ومن التونسيين.

الحدث الرابع.. هو بالتأكيد لما دوّت مدافع الجيش الوطني في جبل الشعانبي بعدما انفجرت ألغام بعض السلفيين التكفيريين تقتل البواسل منا. هؤلاء قال عنهم زعيم النهضة إنهم أبناؤه وتسللوا إليه ذات يوم، وشاهدناه يطلب منهم التريث من أجل التمكن من الجيش والحرس والشرطة. هؤلاء هم أيضا يدعمهم بعض السلفيين في حركة النهضة.. وهم معروفون عند القاصي والداني. وتدعمهم كذلك جمعيات خارجية لها علاقات برجال أعمال نهضويين تونسيين نعرفهم. والحق أنه يحسب لقائد النهضة اليوم عودته إلى رشده أخيرا واعتباره أن تونس ليست أرض جهاد.. وأعتقد أن حسابه السياسي معهم كان خاطئا.. ولذلك ثاب إلى رشده.. إنه لا شك يعلم الآن أن تونس أولا وأخيرا.. وأن تونس قبل الحزب والسلطة.

حدث جبل الشعانبي هو النقطة التي أفاضت الكأس نهائيا وغمرت حركة النهضة، وأعتقد أنها تستحم الآن مليا في دماء شهدائنا، وتفهم أنه عليها أن تراجع الحسابات إذا أرادت أن تدير شؤون الدولة المدنية معنا. بهذا الحدث سقط شرط ضمان السلم الأهلي، وبناء عليه لدينا حكومة تحكم وهما.. ووزراؤها يتظاهرون في الشوارع! بتلك الأحداث الأربعة سقط الشرط الأصل هو الثقة. سقطت ثقة التونسيين في النهضة وفي حكومتها، أي سقطت كل أوراق التوت.

التكفيريون المتشددون مثل الجماعات الإرهابية يحبّذون العيش في المستنقعات، وفي حركة النهضة هؤلاء لن يظلوا بل سيرحلون. سيبقى منهم المدنيون الذين يتمسّكون بمدنية تونس. تعالوا لنحلم سويا فتونس يدير شؤونها الجميع، فأرضها تسع الجميع وشمسها تشرق على الجميع.. لكنها أرض عصية عسيرة على المنافقين.

* وزير تونسي سابق