.. وهل احترام الاستحقاقات الدستورية متيسر في الفترة القصيرة الفاصلة عن موعد الانتخابات؟

نعم- بل وضروري.. لثلاثة أسباب تتصل بمصداقية أهل الحكم وتجربة التغيير

TT

سواء كانت تصريحات راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، بشأن موعد الانتخابات المقبلة محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتفاقم بسبب الأحداث الإرهابية المتواصلة، للأسبوع الثاني على التوالي في مرتفعات الشعانبي الحدودية مع الجزائر بين حركات جهادية متشددة وقوات الأمن التونسية، أو كانت أيضا محاولة لإزالة الشكوك وتخفيف حدة المخاوف إزاء حقيقة نوايا «الترويكا» واحتمالات تخليها عن التزامها بشأن الاستحقاق الانتخابي المرتقب قبل نهاية العام.. فإن النتيجة واحدة.

إنها واحدة، لا تقبل أكثر من قراءة، هي أن زعيم الحزب الحاكم في تونس قطع بذلك على نفسه وعدا والتزم أمام الرأي العام، في تونس كما في الخارج، بضرورة احترام حق الناخب في اختيار ممثليه عبر انتخابات رئاسية وتشريعية ديمقراطية وعادلة قبل نهاية العام.

بل عندما يؤكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أن الأحداث الإرهابية الجارية في الشعانبي لا يمكن أن تؤجل الانتخابات، ولا يمكن لأي قوة أن تمنع ذلك. وعندما يصر زعيم الحزب الحاكم على أن الهيئة العليا قادرة على مواجهة التحدي وتنظيم الانتخابات خلال الأشهر الستة المقبلة ليكون التونسيون على موعد مع حكومة منتخبة مطلع عام 2014، فذلك لا يمكن أن يكون مجرد «بالون اختبار»، أو حبة تنويمية لامتصاص الغضب الشعبي المتنامي جراء الأحداث الإرهابية الدائرة في مرتفعات الشعانبي. وكانت هذه الأحداث قد كشفت مجددا حقيقية الخطر الإرهابي المرتبط بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي وجد في حالة الانفلات الأمني وانهيار مؤسسات الدولة وتراجع مظاهر السيادة، وامتداد حالة الفوضى في ظل مناخ الحريات المطلقة الذي أعقب سقوط أنظمة ما قبل «الربيع العربي»، ومنها إلى الحرب المفتوحة في مالي.. الأرضية الأمثل لانتشار بل وتفريخ الجماعات المسلحة المهووسة بإقامة الخلافة الإسلامية.

كل ذلك، طبعا إلى جانب ترسانة الأسلحة المهربة من ليبيا المجاورة، جعل المشهد على درجة من التعقيد والخطورة على مسار الانتقال الديمقراطي، الذي اتصف ولا يزال بالهشاشة وكثرة العثرات مع تواتر مظاهر العنف الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء باغتيال المعارض البارز والحقوقي شكري بلعيد. ولقد شكلت تلك الجريمة صدمة في نفوس التونسيين الذين اعتبروها محطة فارقة تهدد بتفجير مسار الثورة الفتية وإجهاض الحلم الذي وحد التونسيين في أن يكون لهم تجربة ديمقراطية تقطع مع تلك القناعة الراسخة بأن العرب والديمقراطية لا يجتمعان. ودفعت بدلا من ذلك إلى الغرق في الخوف من احتمالات تكرار «السيناريو الجزائري» الذي انتهى بأكثر من مائتي ألف ضحية في الجزائر وتراجع البلاد نحو خمسين عاما إلى الوراء على مختلف الأصعدة.

لقد غذّت «أحداث جبل الشعانبي» مخاوف البعض من أنها قد تكون اعتداءات مفتعلة كمخطط لإفشال موعد الانتخابات المقبلة الذي تعهّد رئيس الحكومة المؤقت، كما تعهد سلفه حمادي الجبالي باحترام موعدها لمقرر نهاية العام على أقصى تقدير. وأجّجت تلك الأحداث لدى آخرين الشكوك بأن «الترويكا» الحاكمة عموما، وفي مقدمتها حركة النهضة خصوصا، لا تختلف عن بعض الحركات الإسلامية الانتهازية التي تعتبر أن الانتخابات، شأنها شأن الديمقراطية مجرد وسيلة لبلوغ السلطة، وسرعان ما تتحول إلى هدف غير مرغوب بمجرد التمكن من دواليب السلطة. ويبدو أن تصريحات وزير حقوق الإنسان سمير ديلو الذي اعتبر أن «أولوية الأولويات اليوم يجب أن تنحصر في محاربة الإرهاب»، دفعت البعض إلى تأويل هذه التصريحات على أنها استباق للأحداث والتفاف على موعد الانتخابات بدعوى الخطر الإرهابي.

وفي رأيي هناك ثلاثة أسباب على الأقل تدعو إلى التعجيل بتحديد موعد الانتخابات والانصراف إلى الترتيبات القانونية التي تسبق هذا الموعد.

السبب الأول، هو أن تأجيل الانتخابات المؤجلة أصلا مع انقضاء التفويض الانتخابي الذي منحه الناخب التونسي للحكومة المؤقتة في انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) لكتابة الدستور والإعداد لإجراء لانتخابات من شأنه أن يزيد حالة الاحتقان وتفاقم الشكوك، وبالتالي تعميق أزمة الثقة بين الطبقة السياسية والشارع التونسي.

والسبب الثاني، هو ضرورة احترام مصداقية وقوى إرادة السلطة القائمة ورغبتها في رفض تثبيت المؤقت وتحويله إلى مؤبد. وهو ما يعني الحكم على التجربة الانتقالية بالفشل المسبق.

أما السبب الثالث فيرتبط بالاختبار الأهم الذي سيتعين على السلطة القائمة أو «الترويكا»، التي ما انفكت تتغنى بالشرعية الانتخابية في مواجهته من أجل أن تكون الانتخابات المقبلة موعدا على طريق تثبيت الديمقراطية والتمسك بالشفافية وحسن التنظيم، وبما يمكن أن يزيل من ذهن التونسي كل أسباب الخوف من السقوط مجددا في شرك الديكتاتورية الجديدة بغطاء ديني. الاختبار الانتخابي المقبل سيكون حاسما بالنسبة لمستقبل حركة النهضة ولمصداقية قادتها لدى الغرب الذي راهن على الإسلاميين في تونس ولم يتردد في دعمهم بعدما أدرك تغير قواعد اللعبة السياسية ميدانيا.

إن الإرهاب أخطر أعداء الديمقراطية، وهذا من الحقائق التي لا تقبل التشكيك. ومن الواجب على حركة النهضة وشركائها في الحكم أن يثبتوا عداءهم للعنف والإرهاب وأن يعلنوا تأهبهم للموسم الانتخابي والتأكيد على أن ألغام الشعانبي لن تثنيهم عن هذا الهدف.

* إعلامية وكاتبة سياسية تونسية