.. وهل احترام الاستحقاقات الدستورية متيسر في الفترة القصيرة الفاصلة عن موعد الانتخابات؟

لا- .. الانتخابات مؤجلة التنفيذ لجملة من الأسباب الوجيهة

TT

منذ أن أمضت حركة النهضة في تونس على بيان يحدد مدة عمل المجلس التأسيسي لسنة واحدة، كان حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» حزب الرئيس المنصف المرزوقي المعارض الوحيد الذي رفض الإمضاء على الوثيقة معللا موقفه بأن سنة واحدة غير كافية لكتابة دستور جديد. واقترح تمديد عمل المجلس إلى ثلاث سنوات. فهل كان اقتراحه من قبيل الصدفة أم أن هناك ترتيبات أخرى تم التحضير لها على نار هادئة؟

لقد تجاوزنا اليوم السنة والنصف ولا شيء يوحي، عمليا، بأن الانتخابات على الأبواب. فالدستور لم يصادق عليه بعد، والتاريخ النهائي للانتخابات لم يحدد عمليا، والمجلة الانتخابية الجديدة المشتملة على نحو 200 فصل والتي ستنظم الانتخابات بموجبها ما زالت في الطور الأول للمناقشة، والهيئة العليا للانتخابات لم تتحدد تركيبتها النهائية لحد الآن.

وفي المقابل، تلح حركة النهضة وحليفاها في «الترويكا» الحاكمة على أن نهاية 2013 ستشهد الإعلان عن الدستور الجديد وتعيين تاريخ نهائي للانتخابات التشريعية والرئاسية. هذه التأكيدات أصبحت محل تندّر من الطبقة السياسية والرأي العام. كل الدلائل كانت تشير، بعد انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، إلى أن حركة النهضة لم تكن تنوي الالتزام بسنة واحدة كحد أقصى للمرحلة الانتقالية، فالدستور المصغر الذي دفعت حلفاءها للمصادقة عليه يعطي صلاحيات مهمة لرئيس الحكومة على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو ما يؤشر إلى أن حركة النهضة كانت تريد الاستفادة القصوى من هذه الصلاحيات لتركيز إدارة موالية تكون سندا لها في الانتخابات المقبلة. وفي وقت قياسي أصبحت الصحف تتحدث عن مئات من التعيينات لكوادر نهضوية إخوانية في مناصب هامة في المحافظات والإدارة المركزية والمصالح الأمنية، (نجد نفس السيناريو تقريبا في التحوير الحكومي الذي أجراه الرئيس المصري محمد مرسي مؤخرا على حكومة هشام قنديل)، وقد شُفعت عملية تطويع الإدارة بجملة من القوانين والإجراءات التي تكرس نفوذها. أضف إلى ذلك أن النهضة تحاول اختيار منافسيها في الانتخابات من خلال ابتكار إطار قانوني لعزل من يشكل منافسا جدّيا لها. وفي هذا الإطار ساندت «مشروع قانون العزل السياسي»، المعروف باسم «قانون تحصين الثورة»، الموجه أساسا لحركة «نداء تونس» وزعيمه الباجي قايد السبسي، المنافس الرئيس لحركة النهضة حسب آخر استطلاعات الرأي، (جاء في استطلاع أخير للرأي نشر بالصحف التونسية يوم 9 مايو /أيار الجاري أن الباجي قايد السبسي يتقدم في المعركة الرئاسية على حمادي الجبالي وأن حركة «نداء تونس» متقدمة على حركة النهضة بخمس نقاط مئوية). ولقد انتقدت الصحف بشدة «قانون تحصين الثورة» الذي نعتته بالإقصائي، واعتبرته «قانونا لتحصين النهضة لا لتحصين الثورة»، وشددت على أن أداء الحكومة سياسيا واجتماعيا وأمنيا لم يعد مقنعا. فالأسعار في ارتفاع مستمر، والمديونية والتضخم في ازدياد مطرد، وغياب الاستثمارات الخارجية وانخفاض مداخيل السياحة لا يسمحان بتنفيذ المشاريع المقررة من طرف الحكومة، وحجم البطالة الذي استقر في حدود نحو 700 ألف عاطل (وهو الرقم الذي كان سائدا عند سقوط نظام الرئيس السابق بن علي) أصبح يُقض مضجع أصحاب السلطة، وصادرات الفوسفات أهم مصدر للحصول على العملة الصعبة في شبه تعطل كامل.

وإذا أضفنا إلى ذلك خطورة ما تحمله رسائل الاغتيالات السياسية كالتي حصلت مع المرحوم شكري بلعيد الذي اغتالته جماعات تكفيرية متشددة حسب التقارير الرسمية، واكتشاف مخازن للسلاح وآخرها قارب آت يوم 9 مايو من بلد مجاور محمل بكمية هامة من المتفجرات أدركنا أن موعد إجراء الانتخابات يمكن أن يكون على كف عفريت.

وعليه، يكاد يصبح من المتأكد أن الانتخابات لا يمكن أن تجرى في 2013. وسيكون عام 2014 التاريخ الأكثر ترجيحا، لكن لا أحد يتنبأ بتوقيتها النهائي في أول العام أم في وسطه أو آخره، خاصة على ضوء ما نشهده من تهديدات أمنية، ربما تضاف إليها توترات اجتماعية في المستقبل نتيجة تقلص فرص التشغيل المرتبطة بتقلص الاستثمار، بالإضافة إلى التداعيات الإقليمية والآتية خاصة من المناطق المحيطة بتونس. ونذكر في هذا الإطار أن الجزائر، وعلى الرغم من ظروفها الصعبة، بما يخص حرب مالي ومرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أكدت تمسكها بإجراء الانتخابات في وقتها خلال أبريل (نيسان) 2014.. وهو ما يعطي انطباعا بديمومة مؤسسات الدولة.

كان مأمولا أن تعطي «الترويكا»، والنهضة بالخصوص، عبر نوابها بالمجلس التأسيسي تاريخا محددا ونهائيا للانتخابات، لكن مع الأسف لا شيء يوحي بحدوث ذلك قريبا. إذ هناك إمكانية أن لا يحصل توافق على الدستور في قراءته الثانية وحينها يتم اللجوء إلى الاستفتاء الذي يستغرق مدة طويلة لإنجازه، كما أن التأخير في الإعلان عن الدستور والمجلة الانتخابية يصب في اتجاه تأجيل الانتخابات. وبالتالي فالمرجح أن تعقد خلال عام 2014 وهو ما تكهّن به السيد كمال الجندوبي الرئيس السابق للهيئة العليا للانتخابات. هل يمكن القول إن نبوءة المرزوقي بدأت تتحقق في استشرافه لموعد الانتخابات منذ اليوم الأول؟ وهل كان الاستشراف عفويا أم محسوبا؟ وهل تفكر حركة النهضة في رصد نتائج انتخابات الجزائر لتبني عليها خريطة التحالفات السياسية المقبلة؟ وهل ستتمكن تجاوز عتبة الخمسة والعشرين في المائة من الأصوات التي منحتها إياها بعض عمليات سبر الآراء كحد أقصى. كل هذه الهواجس تجعل من الصعب أن تحصل انتخابات خلال عام 2013.

* أكاديمي ومحلل استراتيجي