هل أنت مع الإصلاح المتدرج.. أم تعتبرينه ذريعة لحرمان المرأة من حقوقها؟

نعم- .. لكنه مهدد اليوم بالأصولية التي حملها «الربيع العربي»

TT

نعم، أنا مع الإصلاح المتدرج، خاصة في مجتمعنا الخليجي الذي اختفت فيه المرأة من المشهد السياسي فترة طويلة تصدر فيها الرجل المشهد بكل أشكاله؛ السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. وظلت المرأة رهن انفتاحه وعلو ثقافته في محيط الأسرة والعمل وفي محيط السلطة.

المرأة الكويتية كانت سبّاقة إلى قطف ثمار انفتاح نظامها السياسي ودستور بلادها، الذي كانت مسطرة الحقوق فيه واحدة للمرأة والرجل، وهو ما ساعد على نيلها حقوقها السياسية في الترشيح والانتخاب، مقارنة بشقيقاتها الخليجيات.

ومنذ حصلت المرأة الكويتية على حقوقها السياسية منذ أكثر من 7 سنوات، بدأت تقفز في إنجازاتها السياسية، فأصبحت نائبة في البرلمان ووزيرة، علما بأنها كانت أول امرأة خليجية تتقلد منصب مديرة للجامعة وسفيرة.. وهذا ليس بجديد عليها، لأنها من أولى نساء الخليج اللاتي ابتعثن للتعليم في الخارج منذ الخمسينات من القرن الماضي.

ولعل تطورات الأحداث في بداية التسعينات، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، دفعت بعجلة حقوق المرأة في منطقة الخليج وعجلت من وتيرتها، بعدما كانت لفترة من الزمن موضوعا محليا لا يجوز التدخل فيه من الخارج. ذلك أن هذه التطورات جعلت من المرأة وتمكينها سياسيا واجتماعيا موضوعا ملحا في سبيل تحقيق هدف عام يمكن من الوصول إلى الإصلاح الذي من شأنه الحد من كل الظواهر المتطرفة التي تدور في فلكها كل أنواع الإرهاب بكل أشكاله. ولأن المرأة هي أصل التربية، أضحى الاهتمام بها موضوعا ذا أولوية تحتم الالتفات إليها والاهتمام بها. ومن ثم، أصبحت المرأة العربية بعد هذا التاريخ محط اهتمام استثنائي.

من جهة ثانية، لا شك في أن موضوع تمكين المرأة في الخليج أصبح مطلبا أكثر منه بهرجة، مع موجة الإصلاح والتنمية التي بدأت تدب في حياة المجتمعات الخليجية خلال السنوات الأخيرة. وهذا أمر حتم إشراك المرأة في هذه الدائرة، من خلال مشاركتها في البناء والتنمية. ويلاحظ أن المبادرات التي قامت بها أنظمة دول الخليج لمنح المرأة بعض حقوقها، خاصة في المجال السياسي، كانت متقاربة زمنيا، الأمر الذي يبين أنها (أي الأنظمة) آثرت تلقائيا تقديم مبادرات منها للمرأة قبل أن تجد نفسها مضطرة لها، ومفروضة عليها من الخارج. وهذا من شأنه أن يثير ألف سؤال، في حال التفكير بالتراجع عن فكرة التمكين أو حرمان المرأة من حقوق سبق أن حظيت بها.

ولأن العالم أصبح اليوم قرية صغيرة وعالما مفتوحا ومتقاربا، ما عاد ممكنا لأي مجتمع بأي حال من الأحوال البقاء منعزلا، بحجة العادات والتقاليد، والانسلاخ بأي شكل من الأشكال. إلا أن ما يقلق اليوم هو الصبغة الدينية لثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي» في بعض الدول العربية، التي من شانها أن تعيد المرأة العربية إلى ما يقرب من المربع الأول، حيث مكان المرأة بيتها.

ومن شأن الدعوات الإسلامية التي توازنت مع الثورات العربية الأخيرة، والتي احتفظت بحقها من التغيرات كما تدعي، أن تسحب المرأة وكل إنجازاتها إلى الوراء ما لم تقف المرأة نفسها أمام هذا المد الأصولي الذي يتعامل مع المرأة من زاوية ضيقة جدا جدا.. تتجرد فيها المرأة من كثير من المكاسب التي تحققت لها في عشرات السنوات الأخيرة، وتنتصر للإنجازات التي حققتها لتستمر في كسب مزيد من حقوقها التي حصلت عليها.

وبما أن بناء المجتمعات وتنميتها وتقدمها تقوم على الشراكة بين المرأة والرجل، فذلك حتما يتطلب إتاحة الفرصة والمجال أمام المرأة لتقوم بدورها، من خلال المشاركة في اتخاذ القرار والتشريعات التي من شأنها منح المرأة المزيد من حقوقها التي لا تزال قيد التفكير.. وأيضا تؤكد أهميتها كالرجل في بناء الأوطان.

إن التدرج في الإصلاح، خاصة فيما يخص المرأة، أمر مطلوب لكي تستوعب المرأة حقوقها وأدوارها ومشاركتها، خطوة خطوة، ولتتفهم هذا الدور، شأنها شأن أي حقوق مكتسبة يبنى بعضها على بعض. ويكمل بعضها البعض.. فالمرأة لا يمكنها التحدث والمطالبة بحقوق سياسية متقدمة، بينما هي تعاني من فقدان أبسط حقوقها الاجتماعية، ولكن هذا لا يبرر أبدا أن تستغرق المرأة لاستكمال حقوقها الفترة الماضية نفسها.. وذلك لأن المعطيات الحالية والظروف المحيطة لم تعد جامدة، كما كانت سابقا، ولم تعد مغلقة كما كانت سابقا، ولم تعد منعزلة كما كانت سابقا.

وهذا ما يؤكد أن الإصلاح المتدرج اليوم لا بد أن يكون بوتيرة أسرع، وبخطوات متسارعة أكثر.. شرط أن لا تسحبها حبال الإسلام الأصولي وخيوطه، وهو ما نشعر اليوم به تهديدا يحاول سحب المرأة إلى الوراء، إلى حيث بدأت المسيرة، عشرات عشرات السنين الماضية.

* إعلامية كويتية