.. وهل المرأة في المنطقة جاهزة حقا للحصول على حقوق سياسية واجتماعية أوسع؟

نعم- فعلى الرغم من التقدم الحاصل في دول الخليج.. ما زالت الإنجازات قليلة

TT

لدينا على صعيد حقوق المرأة تجارب عدة في دول عربية وإسلامية، بعضها قام بسلسلة من الإصلاحات الفوقية نتج عنها كثير من المساواة، مثل تركيا وتونس، بينما قامت دول أخرى بإصلاحات تدريجية كانت نتيجتها أيضا حصول المرأة على معظم الحقوق مثل المغرب.

ما بدأه أتاتورك منذ نحو 80 سنة من إصلاحات تصب في صالح المرأة ومساواتها بالرجل، أوصل المرأة إلى نيل كثير من الحقوق في شتى المجالات. وكذلك في تونس، حيث أصدر الحبيب بورقية منذ 6 عقود (1956) «مدونة المرأة» التي منحت المرأة التونسية دفعة قوية تجاه المساواة مع الرجل. بالطبع، صاحب ذلك وجود تنظيمات نسائية كانت بمثابة الدرع الذي يدافع عن مكتسباتها وعن أي انتكاسة تصيب هذا الإصلاح. هذا بالنسبة للإصلاحات الفورية التي أجراها زعماء إصلاحيون غير ديمقراطيين، أو كما نطلق عليها «المستبد العادل».

أما على صعيد الإصلاح المتدرج، فالمغرب خير مثال على ذلك، حيث ساهمت في إنجاحه التنظيمات النسائية (القاعدة الشعبية) بالتعاون مع الملك (القمة) وبتشجيع من الاتحاد الأوروبي (التأثيرات الخارجية). لقد نظمت مجموعة مثقفة متخصصة من القانونيات والإصلاحيات والكاتبات نفسهن، وتوجهت إلى شرح ما يردن من الإصلاحات إلى مجموعة من البرلمانيين الذين تبنوا تلك الإصلاحات المعززة بنصوص فقهية إسلامية، مما جعلهم يتبنون ويصوتون لصالحها في البرلمان المغربي. وساهم في ذلك وجود ملك شاب تولى الحكم لتوه وفي نيته تتويج عهده بإصلاحات تصب في مصلحة المرأة، مع تشجيع من دول الجوار الأوروبية بتقارب اقتصادي أكبر أسهم في إصدار مدونة للمرأة مقاربة لمدونة تونس في الخمسينات من القرن الماضي.

ولا شك في اعتقادي أن الإصلاحات التي جرت في المغرب، والتي توجت بإصدار مدونة المرأة منذ نحو 10 سنوات هي الأفضل. فهي جرت بتنظيم مكثف من نساء مثقفات متخصصات في القانون والفقه الإسلامي، وصممت، بالتعاون مع رجال الدين الإصلاحيين والإعلام ومساندة كبيرة من مكونات مختلفة من المجتمع، على بلوغ درجة كبيرة من المساواة مع الرجل، وقد حصلن عليها.

نعود الآن إلى موضوعنا الرئيس بالنسبة لدول الخليج.. للاطلاع على مدى إمكانية إصلاح القوانين التي تحكم المرأة.

جميع هذه الدول حصلت على درجات متدنية في الدراسة القيمة التي أجرتها منظمة «فريدوم هاوس»، وأن اختلفت درجة تدنيها، ولن أقول إنجازاتها، فهي لم تنجز إلا القليل. وفي هذه المنطقة، يدور الحوار حول الإصلاح المتدرج من قبل التنظيمات النسائية الرسمية والأهلية، لكن الإنجازات قليلة جدا.

في تقرير «فريدوم هاوس»، نالت الكويت أكبر عدد من النقاط تلتها البحرين ثم البقية. وفي الكويت سيدات قانونيات وجمعيات تقدمية نسائية تؤازرها مجموعة من الليبراليين تسعى للإصلاح المتدرج. أما في البحرين، فهناك مجموعات تسعى للوصول إلى قوانين تنصف المرأة، وأهم هذه التنظيمات «المجلس الأعلى للمرأة» و«الاتحاد النسائي» والجمعيات النسائية، وبعض الجمعيات السياسية الليبرالية، مثل «جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)».

ولعل ما قامت به مجموعة من السيدات السعوديات يدل على أن الإصلاح التدريجي يأتي بثماره، فقد اتفقن على تناول بعض القضايا المجحفة بحق المرأة في سبيل الوصول إلى حلها، وعلى بحث كل قضية على حدة. وبدأن أولا بموضوع «إلغاء الوكيل الشرعي في الأعمال التجارية والتعاملات بصورة عامة»، وطالبن أولي الأمر بذلك، وشرحن كيف أن المرأة لا تحتاج إلى مثل تلك الإجراءات، ثم عقدن مجموعة من المحاضرات ودعون متخصصات في تلك القضايا لإلقاء المحاضرات. وجدير القول إنهن قد نجحن في مسعاهن وتم إلغاء هذا الأمر.

أما الموضوع الثاني الذي تطرقن إليه فكان «مشاركة المرأة في العمل» وهو يتعلق بموضوع «الولاية» (ولي الأمر)، وينقسم إلى عدة بنود أهمها «أن المرأة لا تستطيع أن تتعلم أو تتلقى العلاج إلا بموافقة ولي الأمر». وقد استغرق هذا الموضوع المهم سنة كاملة في النقاش وإلقاء المحاضرات وتوضيح أن نظام الحكم لا يفرق بين الجنسين، وهو أيضا مبني على الشريعة.

أما القضية الثالثة، فقد كانت الرغبة في إنشاء أقسام في المحاكم التي تختص بالإرث والمرأة، والتفريق بين التقاليد الاجتماعية والقوانين الشرعية، إذ إن المعمول به حاليا هو حصر الورثة، وليس حصر الإرث، تاركين للموكل أن يتصرف حسب ما يرتئيه، وليس هناك عقاب أو محاسبة له، إذا لم يلتزم بالشرع. وهن يطالبن بإنشاء أقسام بحصر الورثة وحصر الإرث وتحديد الوقت الزمني لتوزيعها، نظرا لكونها تمتد في أحيان كثيرة إلى سنين طويلة لتوزيعها.

تلك الإنجازات، على الرغم من تواضعها، استغرقت سنوات لتطبيقها، ويجب أن لا ننسى وجود القيادة المتمثلة بخادم الحرمين الشريفين الذي بدأ عهده الإصلاحي بالوقوف مع كثير من قضايا المرأة. هنا أيضا نرى أن القاعدة ممثلة في الصفوة من النساء المتعلمات، والقيادة، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين، قد ساعدتا على دعم هذه الإنجازات، ونتمنى أن نرى المزيد منها قريبا. هذا الاستعراض السريع لواقع الحال في دول مجلس التعاون يعكس لنا استحالة الإصلاح الفوري والفوقي، لذلك يجب بذل جهود مضاعفة وتكريس الإعلام والكتب المدرسية لنشر ثقافة الإصلاح والمساواة. ولكن حتى ينضج المجتمع ويقتنع بحتمية الإصلاح، فلن نشهد أي تقدم وستظل المرأة محرومة من نيل حقوقها لفترة طويلة مقبلة.

* أكاديمية وسياسية بحرينية