هل تسعى تركيا حقا إلى لعب دور نافذ في الشرق الأوسط اليوم؟

لا- ... ليس حصريا لأن اهتماماتها أوسع نطاقا من الشرق الأوسط الصغير

TT

إذا كنا بصدد مناقشة «دور تركيا الإقليمي»، علينا أولا تعريف ما يعني «الإقليم»، ذلك أن التعريف التركي لـ«الإقليم» قد يختلف كليا عن المنظور العربي، من حيث إنه لا يقتصر على الشرق الأوسط، أو حتى «الشرق الأوسط الكبير» كبداية.

إن «الإقليم» كما تراه تركيا هو فضاء تبادل اقتصادي وثقافي أكثر منه منطقة نفوذ سياسي. وبالتالي، فهو لا ينحصر بالمناطق التي تضمها حدود الدولة العثمانية والتي كانت تمتد من شواطئ البحر الأدرياتيكي وشبه جزيرة القرم إلى أطراف صحارى الجزائر واليمن والبصرة.

اليوم تعني هذه المفردة حتى ألمانيا.. حيث يعيش نحو أربعة ملايين ناطق باللغة التركية، وأذربيجان.. التي تستطيع اليوم تصدير النفط والغاز بمعزل عن الضبط والربط العربي أو الروسي أو الإيراني. وهي تعني أيضا الصومال عبر حضور ينساه العالم أو يتناساه، وميانمار (بورما) حيث تتعرض الأقلية المسلمة لاعتداءات وحشية من الأغلبية البوذية. وهذا وضع يختلف كثيرا عما كانت عليه الأمور قبل 15 سنة تقريبا.

ثمة عاملان رئيسان أسهما في تحويل طاقات تركيا الكامنة إلى قوة متحركة ومحركة، وجعلها أحد كبار اللاعبين في «الإقليم».

العامل الأول هو الأزمة المالية التي ضربت في السنتين 2000 - 2001 التي عرضت تركيا لأسوأ ضربة اقتصادية في تاريخها، لكنها تمكّنت بعدها من تحديث سياساتها الاقتصادية ابتداء بجهازها المصرفي الذي كان وراء تخفيف معاناة تركيا من الأزمة المالية والاقتصادية المستمرة حتى الآن في دول «منطقة اليورو» بنسبة كبيرة مقارنة مع باقي تلك الدول.

أما العامل الثاني، فكان إقدام الناخبين الأتراك في انتخابات عام 2002 على معاقبة كل الأحزاب الكبرى السابقة التي حمّلها الناخبون مسؤولية الأزمة المالية، بإبعادها عن السلطة، وإحلاله بدلا منها حزب العدالة والتنمية الحديث التأسيس. حزب العدالة والتنمية وقائده رجب طيّب أردوغان يأتيان من داخل الحركة الإسلامية التشريعية التي أطلقها في تركيا نجم الدين أربكان. ولكن كرد فعل ضد العملية العسكرية – وبعدها النفسي – في عام 1997 التي أطاحت أربكان من الحكم، اعتمد الإصلاحيون الشباب داخل الحركة من أمثال أردوغان ورئيس الجمهورية الحالي عبد الله غل استراتيجية جديدة تستند إلى القيَم السياسية والاقتصادية الأوروبية. وحقا نجح هؤلاء في كسب تأييد الشعب التركي الذي يسعى للبقاء في منأى عن العداء والنزاعات، ويحرص على تحسين مستوى معيشته.

هذا الخط السياسي الجديد، القائم على مزاوجة المعايير السياسية والاقتصادية الأوروبية والتفسير الحداثي للثقافة الإسلامية، نجح في إطلاق طاقات تركيا مجسّدة في النمو والثراء المتزايد. وكون تركيا باتت قادرة على إدارة النمو الاقتصادي وتحسين مستوى البنى التحتية عبر استيراد 90% من نفطها وغازها من إيران وروسيا والسعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط حقيقة تؤكد اليوم حيويتها الاقتصادية.

ولقد كانت القضية الكردية العقبة الأخيرة التي تعترض طريق الدور التركي الأكبر، والسلمي التوجه. وبالفعل كانت حكومة أردوغان منهمكة في مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني (البي كي كي) المحظور الذي كان يشنّ على امتداد 30 سنة حملة مسلحة، حصدت نحو 40 ألف قتيل، في سبيل إيجاد تسوية سياسية لأزمة متطاولة. وإذا تحققت هذا التسوية، سيصبح بمقدور تركيا الانغماس أكبر في مشاريع السلام والتعاون الاقتصادي، وبالأخص في شرق المتوسط وحوض بحر قزوين ومنطقة الخليج بطريقة بناءة أكثر.

* إعلامي وكاتب تركي في صحيفة «حرييت»