وهل أبدى المرشحون قدرات تشجع على توقع استقلاليتهم عن «المرشد الأعلى»؟

لا- الاستقلالية صعبة.. لكنهم أبدوا تفهما للقضايا التي تشغل الرأي العام

TT

هل همش النظام في إيران مفهوم الانتخابات في الثقافة السياسية الشعبية؟

ثمة تصور بأن نظام «الجمهورية الإسلامية» همش بالفعل مفهوم الممارسة الانتخابية في الثقافة السياسة للبلاد. وللعلم، أجريت عشرة انتخابات رئاسية في إيران منذ «الثورة»، مع السماح بفترتين رئاسيتين متتاليتين. وفيما يلي نسب المشاركة الشعبية في الاقتراع في هذه الانتخابات المتعاقبة: 67.86 في المائة، و64.24 في المائة، و74.26 في المائة، و54.78 في المائة، و54.59 في المائة، و50.66 في المائة، و79.92 في المائة، و67.77 في المائة، و59.76 في المائة، وأخيرا 84.83 في المائة.

ومن هذه الأرقام يتبين أن نسبة الإقبال على الاقتراع منذ ولادة «الثورة الإسلامية» بلغت 65.87 في المائة، وبينما كانت النسبة في أول ثلاثة انتخابات 68.79 في المائة بلغت النسبة في آخر ثلاثة انتخابات 70.79 في المائة. وبالتالي، فإن ثمة دليلا على أن الانتخابات ما زالت جزءا مهما في الحياة السياسية الإيرانية.

بل، منذ قيام «الجمهورية الإسلامية» كانت هناك «مدرستان فكريتان» الأولى تسعى إلى الإبقاء على الوضع الراهن، والثانية تريد إصلاح النظام. لكن المفارقة، مع الانتخابات المقبلة (يوم الجمعة)، أن ستة مرشحين محافظين يدفعون باتجاه التغيير، وهذا أمر يخالف مواقعهم السياسية المعهودة. وهذا دليل على أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فرضت عليهم التصدي لهذه القضايا بجدية وشمولية.

ستكون هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة عاملا ذا جاذبية شعبية تنعكس في صناديق الاقتراع، وهو ما يعني ارتفاع معدل الإقبال على التصويت. ولكن، خلال الانتخابات الأولى تقدم 124 مرشحا بترشيحاتهم، وسمح لـ123 منهم بخوض المعركة الانتخابية، أي بنسبة تقارب الـ100 في المائة، في حين أن الانتخابات المقررة يوم الجمعة المقبل تقدم لها مبدئيا 686 مرشحا لم يسمح سوى لثمانية منهم بخوض الانتخابات، أي قبلت ترشيحات نحو 0.01 في المائة من المرشحين الأوليين فقط. وهنا لا بد من القول، أنه رغم أن مسار فحص الترشيحات والبت بها يحد من المنافسة بين المرشحين، فهذا مسار أو تقليد مألوف في الديمقراطيات السائرة في طريق النضج حيث يهيمن حزبان أو ثلاثة على التنافس الانتخابي.

أما فيما إذا كانت الانتخابات الرئاسية مهمة وتستحق العناء، مع تذكر حقيقة أن السلطات الفعلية تظل في يد «القائد الأعلى» (أو «المرشد الأعلى») آية الله علي خامنئي، فإن الدستور الإيراني، في الواقع، يفصل دور «المرشد» ويوضح أنه يلعب دورا أساسيا في السياسات الخارجية والداخلية، إلا أن ثمة حدودا لسلطاته. فهناك تقاسم جلي للسلطة في نظام الحكم الإيراني، يكفل وجود الضوابط والتوازنات، والتخفيف من النفوذ وتركز الصلاحيات في يد شخص واحد أو مؤسسة واحدة. وفيما يلي بعض الأمثلة:

1- بينما يحق في جميع الدول الديمقراطية لرئيس الجمهورية حل البرلمان، فإن إيران تشكل استثناء. إذ لا يحق لأحد وفق الدستور الإيراني حل البرلمان.

2- مع أن «المرشد الأعلى» هو الذي يعين كبير القضاة، لا يحق لكبير القضاة التدخل في أي حكم صادر عن محكمة أو نقضه.

3- النزاعات بين الحكومة والبرلمان حول القوانين ينظرها ويحكم فيها «مجلس تشخيص مصلحة النظام».

4- يشغل رئيس الجمهورية ثاني أرفع منصب في الدولة بعد «المرشد»، وهو الذي يسمي الوزراء، مع أنه لا بد من تثيبت تعيينهم بواسطة البرلمان.

5- تتولى الحكومة اختيار المحافظين وتعيينهم، وهؤلاء يتمتعون بصلاحيات واسعة في المحافظات (الأقاليم).

6- تعد الحكومة الميزانية الوطنية، التي ترصد مبالغ لمكتب «المرشد»، ويقرها البرلمان.

7- أخيرا، تظل سلطات «المرشد» في إيران أقل من سلطات الرئيس الأميركي، إذ يحق للرئيس باراك أوباما رفض قرارات الكونغرس.

* سفير إيراني سابق وباحث حاليا في معهد وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون في الولايات المتحدة.