هل يصحّ القول إن العالم العربي يعاني من أزمة نشر حادّة؟

نعم- ... وأبرز أسباب الأزمة إغلاق أسواق مهمّة وتراجع القدرة الشرائية والرقابة

TT

بطبيعة الحال يعاني الناشر من أزمة صعبة في العالم العربي، فهناك أسواق أُغلقت تماما خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما مع تداعيات «الربيع العربي»، كسوق سوريا (والجدير بالذكر هنا أن القارئ السوري قارئ مهمّ جدّا لأي ناشر من أي تخصّص كان)، كذلك هناك أسواق مُغلقة لم تُفتح بعد كالسوق الليبية والسوق السودانية، وأيضا إلى حدّ كبير... السوق العراقيّة.

فماذا بقي لنا إذن؟

في السوق المصريّة يجوز القول: إن القدرة الشرائية ضعيفة جدّا وقد تكون معدومة. أمّا سوق لبنان فصغيرة من حيث كمّيّة الاستهلاك. وبناء عليه تبقى منطقة الخليج العربي السوق الأهم، مع الأخذ في الاعتبار هنا أيضا وجود أزمة في البحرين. وفي اعتقادي أنّه لولا الاستهلاك الخليجي لبعض إصدارات الناشرين العرب، لكانت الأزمة أشد وأسوأ وقعا. ويجب ألا ننسى هنا أن نضيف إلى كل ذلك أن الرقابة الخليجيّة تحول دون انتشار الكتاب أكثر في هذه المناطق.

في أي حال، ورغم هذه الأوضاع المأساوية، هناك نافذة كبيرة فُتحت أمام الناشر العربي: ذلك أن نسبة القارئات ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وعدّلت إلى حد ما من الخسائر التي لحقت بقطاع النشر. في دولة كدولة الإمارات العربية المتحدة، مثلا، تكاد تكون الأنثى هي وحدها التي تقرأ.

وما يزيد الأزمة حدّة هي مسألة «القرصنة» التي تفاقمت مع «فلتان» الأوضاع الأمنيّة في بلدان كثيرة من بلدان الربيع العربي، ولا تقتصر ظاهرة «القرصنة» في الواقع على الكتاب الورقي، بل تشمل أيضا الكتاب الإلكتروني على مواقع «غوغل» وغيرها.

كيف يمكن مساعدة الناشر للخروج من هذا الوضع؟

مسألة القراءة مسألة معقّدة، فهي تحتاج إلى تضافر عدّة جهود لجعل القراءة حاجة للإنسان، وليست فقط رفاهية: العائلة، المؤسسات التربوية، المكتبات العامة، لجان متخصصة من المجتمع المدني... وهذه الأمور تحتاج كلها إلى خطط حكومية ومدنية، ولا يمكن تطبيقها بين ليلة وضحاها.

غير أن ثمة أمورا عمليّة يمكن أن تساعد الناشر على الخروج بعض الشيء من هذه الأزمة: فلا بد من سن قوانين صارمة تعاقب المزوِّرين الورقيين والإلكترونيين، وتُنصف الناشر والمؤلف معا، ووضع برامج دعم للترجمات، مع ترك الحرية الكاملة للناشر باختيار الأعمال التي يراها مناسبة لمشروعه النشري والثقافي، وإطلاق جوائز إضافية لأعمال الشباب، كي لا تكون مجازفة الناشر كبيرة بإصدار أول أعمال لشباب يتمتعون بمواهب أدبيّة وعلميّة؛ وإلغاء الرقابة عن الكتاب.

إن أكثر ما نحتاج إليه اليوم لمواكبة «الربيع العربي»، بل قل لتصحيح مساره، هو الجانب الثقافي المنفتح على كافة الأفكار والإبداعات، والثقافات الأخرى، وحريّة التعبير. فلا ثقافة من دون قراءة، ولا قراءة من دون نشر وناشر.

* ناشرة لبنانية، مالكة دار الآداب في بيروت