هل يصحّ القول إن العالم العربي يعاني من أزمة نشر حادّة؟

لا- ليس في العالم العربي أزمة نشر... بل هناك أزمة قراءة

TT

بالنسبة لعملية النشر في العالم العربي، فإنني أرى أنه لا يعاني من أزمة نشر، لكنه يعاني من أزمة قراءة. نحن مجتمعات لا تقرأ.

كلما كان هناك إقبال على المنتج... كانت هناك حركة سحب وتوزيع تمكنك من أن تنشر الأجود وأن تعمّق التجارب الإبداعية. حين تتحدث عن أوروبا وأميركا فإن طباعة كتاب واحد تبدأ بما لا يقل عن 100 ألف نسخة أو حتى نصف مليون نسخة.

لا يمكن أن تعرف إن كانت أرقام نشر الكتاب العربي حقيقية أم مبالغا فيها. أعتقد أن الأمر، بالنسبة لبعض مَن يقومون بالنشر، يتطلّب وجود قوانين ضرائب بسيطة وفاعلة ومفهومة. وفي حال تحقّق هذا، فإن أرقام التوزيع سيكون لها بعض الانضباط.

هناك من يزيّف بضاعته لأنه من غير المعقول: إن يعمل في بضاعة راكدة وبضاعة غير رائجة، وإلا فلماذا يعمل في مجال النشر أساسا، إذا كان سيحقق له خسائر. والرغبة في تزيين البضاعة أمر أصبح منتشرا. على سبيل المثال، يوجد ترويج لكتب «المدوّنات» من كتّاب لا يتمتعون بالثقافة الكافية. وهذا لا يليق، لأن هذا ليس بالإنتاج الأدبي الذي يعوّل عليه. الأدب يعني الرواية والقصة والشع، والمسرحية و«الخاطرة الأدبية»، منذ مصطفى لطفي المنفلوطي ومحمد التابعي وغيرهم من عشرات الأسماء الكبيرة.

مثل هؤلاء الكتاب من الأسماء المعروفة في الثقافة المصرية أنتجوا ما يعرف بـ«أدب الخاطرة» أو «أدب الصورة القلمية»، مثل فتحي رضوان وصلاح عيسى وخيري شلبي. هذه ألوان من الأدب. بينما البعض في الوقت الراهن ممن لا يتمتّعون بثقافة كافية أو قدرة عالية على التحليل وعلى التحقيق، يجري تقديمهم باعتبار أن ما ينتجونه هو «أحسن كلام»... ويبدأ نشر الدعاية لمثل هذه الكتب بأنها حقّقت سبع طبعات في الشهر. وإذا كان هذا حقيقيا فإنه يعني أنه يكسب ملايين الجنيهات، وهذا كلام لا يمكن أن تتحقّق منه.

أرقام التوزيع الفعلية وفقا لدار الكتب والوثائق ووفقا للإحصاءات المعتمدة تقول إننا أقل أمة تقرأ في العالم. في مصر مثلا.. عدد السكان 90 مليون نسمة، بينما نشر الكتاب يبدأ بألف نسخة غير قابلة للتكرار إلا في حالات قليلة. لو تنتج 40 أو 50 كتابا في السنة، فإن ما يعاد منها (المُرتجَع) يبلغ نحو 30% أو 40%.

أرى أن أرقام توزيع الكتب وحقيقتها ترتبط بشكل وثيق بمشروع ثقافي وظروف نقدية وأدبية محترمة، وكذلك مناخ سياسي واجتماعي يتيح هامش لحرية التعبير للمواطنين ويؤمن بحريّة الفكر وحرية الاعتقاد. وهذا غير قائم بعد ثورات «الربيع العربي». ما يجري أننا نحاول في الوقت الراهن أن ننتزع بعض الحقوق التي كانت موجودة قبل هذه الثورات. أعتقد أن الوضع أصبح أسوأ عن ذي قبل.

لا يمكن تجاهل حقيقة أن الكثير ممّن أصبحوا في السلطة حاليا، سواء سلطة تشريعية أو تنفيذية، كانوا في السجن قبل الثورة. نحن نتحدث عن عقول تحكم الآن بعد أن خرجت من السجون بتهم مختلفة. عقول كانت تمارس عمليات عنف ضد السيّاح وضد المسيحيين المصريين وضد الشرطة. مثل هؤلاء يقومون حاليا بتشريع قوانين عمّا يجب أن ينشر أو لا ينشر من الكتب والأفكار.

من الأسف أن السياسة المتبعة في دول ثورات «الربيع العربي» تتّجه ضد الديمقراطية والحرية والإبداع. هذا الوضع الملتبس يهدّد الكتابة ودورة الكتاب وتطويره. ولا يمكن التحقّق من أرقام توزيع الكتاب إلا عبر تغيير مثل هذا المناخ بالكامل، وعبر نزاهة مهنية ليس من بينها خداع القارئ بالترويج لكتابات رديئة وأرقام توزيع غير صحيحة. على سبيل المثال ظهر في الفترة الأخيرة كتب كتبها ممثّلون ومذيعون لامعون، وجرى الترويج لها باعتبارها من أفضل الكتب اعتمادا على أسماء من كتبها.. لا اعتمادا على مضمونها.

ولذلك.. ونظرا لقلة القراء في العالم العربي، فإنك لا بد أن تسأل في ظل هذا المناخ: مَن المهتم بتطوير الأدوات الفنية للكتاب، ومَن المهتم بسؤال الحداثة؟ ومن المهتم بالخروج من حالة إعادة إنتاج الكلام؟ ومَن المهتم بمعنى التغيير في الرواية وفي الشعر والقصة القصيرة، وغيره.

ويمكن لدول الخليج، على سبيل المثال، أن تسهم، بمواردها ومعارضها، في إنقاذ ثقافة الكتاب. وأذكر حين كنت في أحد المعارض في الخليج أن إحدى الشخصيات الخليجية اشترت كتبا بما قيمته 3 ملايين درهم. هذا أمر جيد يؤدي إلى تحريك دورة صناعة الكتاب. دول الخليج يمكن أن تسهم في حل المشكلة، إذا أرادت الاستثمار في الثقافة، بشرط الحفاظ على احترام حرية الرأي والتعبير للكتاب.

* مدير دار «ميريت» للنشر في القاهرة