... وهل دول الخليج بمواردها ومعارضها ورعايتها قادرة على إنقاذ ثقافة الكتاب العربي؟

نعم- أنها كفيلة بتعويض الخلل الناتج عن تدهور الأوضاع في بعض الدول العربية

TT

نعم.. ولكن قبل التفصيل في ذلك، لا بد من التأكيد على أن الكتاب العربي ونشره يواجه أزمة حقيقية في الوقت الحالي. وكثيرا ما يصار في اجتماعات ومؤتمرات اتحاد الناشرين العرب إلى مناقشة وبحث المشاكل التي تحد من انتشار الكتاب العربي وتوزيعه. وخلال السنتين الأخيرتين كان للأوضاع في البلاد العربية، التي طالها ما يُعرف بـ«الربيع العربي» أن أثّرت سلبا على حركة النشر وعلى توزيع الكتاب العربي. فدولة مثل مصر توقفت عن تنظيم معرض القاهرة الدولي للكتاب لمدة سنتين، ومثلها تونس، وحاليا سوريا، التي يتجاوز تأثير الأحداث فيها استضافة المعرض الدولي إلى التأثير في حركة الكتاب العربي وتوزيعه، من الناشرين في لبنان إلى كل منافذ البيع في الوطن العربي، خاصة في دول الخليج، الأمر الذي دعا الناشرين في لبنان إلى مراجعة حركة النشر والتريّث فيها، بل والتوقف عن نشر كثير من المؤلفات، خاصة في المجال الإبداعي لدى الشباب والفتيات.

لكل ذلك، فإن دول الخليج، بما لديها من موارد ومعارض واستقرار سياسي، قادرة على إنقاذ ثقافة الكتاب والدفع بحركة النشر العربي لتعويض الخلل الناتج عن تدهور الأوضاع في بعض البلاد العربية.

إن دول الخليج العربي تتمتع بقدرات مالية وبشرية وتنتشر فيها الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث، كما أن معارض الكتب فيها برهنت على النهم الكبير لدى جيل الشباب من الجنسين على القراءة، خاصة في دولة كالسعودية، التي أثبت معرض الرياض الدولي للكتاب مدى القدرة الشرائية والإقبال الكبير من جمهور عريض وواسع على المعرض، حتى أن عددا من الناشرين العرب لم يتردّد في ذكر أن مبيعات يوم واحد في معرض الرياض قد تعادل مبيعات أيام معرض كامل في دولة عربية أخرى.

ويبقى السؤال عن الكيفية التي بمقدور دول الخليج، خاصة السعودية، على إنقاذ ثقافة الكتاب والدفع بحركة النشر العربي؟ إن هذا يكمن في عدة أمور، منها على سبيل المثال:

- تعزيز دور المؤسسات العلمية والوزارات والجامعات ومراكز البحوث، وبفضل ما لديها من ميزانيات، بالمساهمة في الدعم المباشر للناشرين عبر اقتناء الكتاب بكميات جيدة، والمساهمة بتوزيعه.

- يتوجب على وزارة الثقافة والإعلام في السعودية التفكير جدّيّا في ضرورة إقامة معرض دولي للكتاب في مدينة جدة، فهذه المدينة تستحق أن يقام فيها معرض دولي للكتاب، بما تتوافر عليه من مقومات تؤكد نجاح المعرض. وحول ما قاله نائب وزير الثقافة والإعلام («عكاظ»: 10 - 3 - 2013) عن تعذّر تنظيم معرض دولي للكتاب في مدينة جدة، معللا ذلك «بأن جميع دول العالم تنظم معارضها للكتاب في عواصمها، ولا يمكن تنظيم معرضين دوليين في دولة واحدة». إن مثل هذا الكلام غير صحيح، فمعرض فرانكفورت الدولي، وهو أشهر معرض دولي للكتاب، لا يقام في عاصمة ألمانيا، أي برلين. كما أن دولا عربية يقام فيها معرضان دوليان للكتاب، ومثال ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يقام فيها معرض الشارقة، ذو الشهرة والعراقة، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب. وكذلك مصر، حيث يقام معرضان في القاهرة والإسكندرية. لذلك أتمنى على جمعية الناشرين السعوديين أن تدفع بهذا الموضوع مع وزارة الثقافة والإعلام.

- تحرير رقابة الكتب وفسحها من قبل وزارات الإعلام في دول الخليج. ولا أقصد هنا بالرقابة على الكتب أثناء معارض الكتب، فالرقابة على المعارض في السنوات الأخيرة باتت محدودة جدا ولبعض المؤلفات، وهذا ما يُحمد لوزارات الإعلام، لكن ما أقصده هنا هو فسح الكتاب والسماح بتوزيعه على نقاط البيع والمكتبات خارج أيام المعرض. وهذا في الحقيقة يشكل عائقا مهما أمام حركة نشر الكتاب العربي. فكثيرون من الناشرين العرب يتقدّمون بطلب فسوحات لتوزيع منشوراتهم في هذه الدولة الخليجية أو تلك، وتظل الطلبات حبيسة الأدراج لمدة تتجاوز العام والعامين، خاصّة في السعودية، علما بأن التأخّر في منح الفسوحات لا يعود في الغالب إلى مضمون الكتاب ومحتواه، وإنما لإجراءات إدارية معقّدة.

- إذا كان النشر العربي – بعامة – يعاني من أزمة، فإن الناشر السوري يعاني خلال العامين الماضيين من أزمة خانقة تمثلت في تعذّر إقامة معرض دمشق الدولي للكتاب، وغياب الناشر السوري عن معارض الكتب العربية، خاصّة الخليجية، نظرا لما تشهده سوريا من أحداث. ولذا على دول الخليج تشجيع مشاركة الناشر السوري في معارضها من خلال إعفائه من رسوم المشاركة، وهذا ما فعلته مشكورة إدارة معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال معرض 2012م إذ أعفت الناشرين السوريين من رسوم المشاركة، ما شجعهم على المشاركة في المعرض. والمؤمل من بقية إدارات المعارض في الخليج أن تحذو حذو هذه البادرة لتشجيع الناشر السوري، ولكي يصل الكتاب المطبوع في سوريا إلى قرائه العرب.

* مؤلف، الرئيس المشارك في دار جداول للنشر والترجمة في بيروت