... وهل دول الخليج بمواردها ومعارضها ورعايتها قادرة على إنقاذ ثقافة الكتاب العربي؟

لا- الوقت متأخر جدا... بالنظر إلى تعدّد وسائل المعرفة الحديثة وانتشارها

TT

لا أعتقد أن دول الخليج قادرة. إنها تقدّم مثلها مثل بقية الدول العربية مشاريع ومنتجا ثقافيا على مستوى الكتابة لكتّاب ومبدعين لهم حضورهم على المستوى العربي والعالمي بالتأكيد، لكن أن تكون شريكا مهما في صناعة الكتاب في العالم العربي... فمن الصعب أن يحدث ذلك ناهيك من إنقاذها.

المفارقة الغريبة أن دول الخليج من الدول الأنجح عربيا على مستوى المعارض تنظيما وحضورا، لكن ذلك يعود ربما إلى «القوة الشرائية» في المنطقة، وتوافر الإمكانات لتنظيم معارض منافسة ودولية. بالإضافة إلى أن القارئ في منطقة الخليج خرج مؤخرا، بشكل نسبي، من عباءة المنع والرقابة التي تختلف درجاتها حسب شروط الرقيب في المؤسسة الإعلامية التي تراعي شروط نظامها السياسي والديني والاجتماعي.

السنوات الأخيرة شهدت ولادة دور نشر مهاجرة. أربع دور نشر تقريبا صار حضورها مهما على مستوى المعارض العربية. وهذه البداية المتأخرة ربما تقدم نموذجا على فشل وزارات الإعلام والثقافة في تبني مشاريع نشر محلية ودعمها، رغم إيماني الشخصي أن ذلك لو حدث فهو يعني إعادتنا إلى المربّعات الأولى أن تكون الثقافة والأدب والفن في أحضان مؤسسات رسمية.

دور النشر هذه تحمّلت الدور المغيّب تاريخيا في صناعة الكتاب على المستوى الخليجي، والسعودي تحديدا، في بقية دول الخليج... ولا تزال المهمة تتبنّاها مؤسسات حكومية أو شبه حكومية تدعم الكتاب وصناعته، وبعضها يقوم بأدوار مهمة مثل ترجمة الآداب العالمية. أما على مستوى دور النشر والثقافة الأهلية، بصفتها مؤسسات مجتمع مدني، فلا تزال الصورة غائمة في دول الخليج، إنما لا يمكن أن تقوم بدور المنقذ لأسباب سياسية ودينية واجتماعية، إذ لا نزال نشهد حتى الآن شكلا من أشكال قمع الحريات ومصادرتها، ولا نزال نشهد في بعض الدول دورا رقابيا يمارسه موظفون رسميّون على الكتاب والكتابة... ولا تزال بعض الدول تمنع دخول بعض الكتب لمعارضها ومطاراتها.

كل هذه الشواهد وغيرها لا يمكنها أن تترك انطباعا لإجابة متفائلة.

إن نجاح معرض، رغم أهمية ذلك على مستويات متعددة، لا يعني أن أي دولة نجحت تنظيميا... يمكن أن تلعب دورا مهما في صناعة الكتاب وثقافة الكتاب.

الوقت بات متأخرا جدا لذلك بالنظر إلى تعدّد وسائل المعرفة الحديثة وانتشارها. لدينا اليوم مواقع تواصل اجتماعي يمارس فيها المواطن العربي حرّيته التي افتقدها لعقود رغم الرقابة الشديدة التي تتبناها بعض الدول، وصدور أحكام مشددة في بعضها واعتقال في بعضها الآخر دون إبداء أسباب. أضف إلى ذلك أن النشر الإلكتروني بدأ ينافسه الكتاب الورقي عمليا في معظم دول العالم المتقدم... وإن كان لا يزال متأخرا في العالم العربي نتيجة غياب القوانين والأنظمة المنظمة لذلك، وانتشار «القرصنة» بشكل مفزع في غياب مؤسسات وجهات رسمية تراقب وتطبق الأنظمة المعلنة لمكافحة «القرصنة».

لم يتبق في عمر الكتاب الورقي الكثير من الوقت، ولا أعتقد أن المتبقي يكفي للقيام بدور المنقذ. وإذا كانت المؤسسات الرسمية تفكر في تبنّي أي دور ثقافي فعليها التفكير بالحرية، حرية التعبير أولا، ثم تبنّي مشاريع متقدمة من خلال دعم وتشجيع صناعة الكتاب والكتاب الإلكتروني.

المرحلة الأولى تتطلب الكف عن مصادرة الرأي وفتح آفاق واسعة جدا تساهم في استقرار هذه الأنظمة شعبيا ونخبويا حين تكون الحرية أداة استقرار لا أداة تهديد للاستقرار.

ستأتي بعد ذلك الأسئلة الثانوية المتعلقة بالموضوع... أين ستقف دول الخليج من مواضيع السياسة والدين والاجتماع والفلسفة والفكر،... وإلى أي درجة يمكن أن تساهم في خلق مناخ حرّ لتقديم مشاريع تساعد على تحرير الفكر والثقافة العربية من أزمتها وأزمنتها؟

يمكن لبعض الأفكار أن تتحقق، لكنها لن تكون كافية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بسبب أزمة التفكير وأزمة الحرية التي ربما لا تمارسها الأنظمة بقدر ما تمارسها تيارات نافذة وقادرة على إدارة الحرب على الثقافة وإقصاء المفكّر والمبدع والكتابة والتفكير بصوتٍ عال من أجل الحياة والحرية والكرامة.

* كاتب وناشر سعودي – مالك دار طوى