هل تعبر الجوائز الثقافية دائما عن معايير مهنية.. تشجيعية أو تقديرية؟

لا- لا تعبر عن معايير حقيقية.. وهناك حاجة ماسة إلى ضوابط

TT

الجائزة في مجال الفنون والآداب حكم فني وتقويم قيمي وأخلاقي وكان هذا شأننا عندما كان يتولى الأمر روادنا، فكانت الجوائز التي يمنحها مجمع اللغة العربية في الثلاثينيات والأربعينيات ويقوم عليها أئمة في قاعة طه حسين وجيله تحتكم للمعايير الأخلاقية والاجتماعية، بجوار المعايير الفنية والجمالية اللازمة، الآن اتسع الأمر ومع الأسف أن باتت الجوائز في دائرة الحكومات أو الآحاد من الأثرياء، والدائرتان لا نشكك في نواياهما أو القائمين عليهما ولكن لا لجوء عندهما لمعايير منضبطة، ولا لجان تحكيم معلنة ولا تقارير تقويمية شفافة، نحن نأمل أن يدخل المال العربي في تكريم وتشجيع المنتج الثقافي، ونشدد على أهمية ضبط معايير التحكيم وأن يقوم على كل ذلك أهل الاختصاص من علماء ومفكرين من الراسخين في مجالاتهم، حتى تحظى هذه الجوائز بالمصداقية والقبول.

وفي ظني أن هذه الجوائز رغم ما لها من دور معنوي وأدبي لا تشكل حافزا قويا لنشر الإبداع الثقافي بالمعني العميق. ربما تساهم في التفات دور النشر إلى اسم الكاتب أو الشاعر أو الباحث أو الفنان لتطبع أعماله، والترويج لها، لكنها في المحصلة النهائية ليست حافزا، لأن الشاعر والأديب والعالم ينتج ويبدع ليس لأنه في حاجة للمال، ولكنه بحاجة لدوائر رفيعة تنتبه لجهده وتحييه على عمله، المسألة ليست مالية بقدر ما هي تكريمية، قبل ذلك كان الجيل السابق يتوج المبدعين بالألقاب، أمثال «كوكب الشرق» و«موسيقار الأجيال» و«عميد الأدب العربي»، أما الآن فهناك اضطراب شديد في جوائزنا، الرسمية وغير الرسمية بسبب المجاملة للمحكمين والمجازين، وهكذا الجوائز الأهلية.. جوائزنا تعاني من اضطراب وتحتاج إلى النشاط المؤسسي الحقوقي والمعايير والتقارير من أهل الاختصاص. كذلك لا تنفصل مشكلات الجوائز عن مشكلات حرية النشر والإبداع، ومعيار تحققها في وطننا العربي. فنحن كعرب في مأزق تاريخي خطير أساسه الحريات، مشاركة الناس والشعوب في الحكم، حرية التفكير والبحث والاجتهاد والتعبير بمنتهى الضيق لا تتعدى نسبتها 2%. هناك نوع من الحريات النسبية المحدودة في مجال الإعلام بسبب الأنظمة الحاكمة، لكن الفكر والثقافة محاصران، وكذلك تداول الكتب.

الجانب الأمني يسيطر عليه، كل شيء يتم تهريبه، كل سلعة يتم تهريبها إلا الفكر محاصر وعليه خطوط حمراء نحن نتعرف على بعضنا البعض كمثقفين مصريين مع أشقائنا المغاربة والشوام وغيرهم من خلال الجهات الأجنبية، وهذا أمر مؤسف وغير منطقي، وتداول الأفكار والبحث العلمي، وأعمال الخيال في المنتج الفني كل هذا محاصر في الوطن العربي. وعلى سبيل المثل، في مصر يأخذ المبدعون الكبار حقهم من التكريم من خلال جائزة النيل (مبارك سابقا) والجائزة التقديرية وأيضا من خلال جائزة التفوق وغيرها، لكن يجب الالتفات أكثر إلى شباب المبدعين. فقد كان رائعا منذ عدة أعوام قصر جوائز الدولة التشجيعية على المبدعين تحت سن الأربعين، حيث كانت الجوائز التشجيعية كافة تذهب إلى الشباب بهدف تشجيعهم والنهوض بأعمالهم، أما إطلاق السن وهذا ما حدث في هذا العام فهو أمر غير مبرر، حيث ذهبت الجوائز التشجيعية إلى من هم فوق الخمسين وفوق الستين، وأتصور أن هؤلاء قد تخطوا مرحلة «التشجيع»، وبالتالي فقدت الجائزة مغزاها الحقيقي؛ فليس المراد بالجائزة التشجيعية أن تكون تتويجا لعطاء مبدع راسخ، بقدر ما أنها تهدف إلى تشجيع مبدع شاب على المزيد من الإبداع والإنجاز والتطور.

* ناقد أدبي أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة