وهل يساعد الفوز على بقاء الفائزين في المجال الثقافي؟

نعم- في ما يخصني.. أسست دار نشر بعد تقاعدي من الوظيفة الحكومية

TT

في البداية، لا بد من الإقرار أن نتائج الجوائز في العالم العربي لا ترضي الجميع. هناك دائما انتقاد، لكن هناك دائما تجاوزا لأن الأعوام تمر والجوائز تتكرر. كم الجوائز في العالم العربي لا يكفي كم المبدعين. وأكثرها عن المشوار الفني للكاتب، ومن ثم ترتبط بالتقدم في العمر والقليل منها يحدد مستحقيه من الشباب. وبالنسبة لي الجوائز مثل الجواز قسمة ونصيب. رغم يقيني أن بعض الكبار من المستشارين كثيرا ما يضللون أصحاب الجوائز ويقترحون عليهم محكمين يتجهون إلى كاتب بعينه. رغم ما تفعله بعض دور النشر الآن التي تستطيع أن تنفذ بطرق خاصة الوصول إلى لجنة التحكيم والتأثير عليها، وعلى الجهة الأخرى تكون قد اتفقت مع الكاتب عند التعاقد على تناصف الجائزة معه.

لا أعرف من الذي ابتدع هذه البدعة. فالجائزة تزيد المبيعات ومن ثم يستفيد الناشر أكثر. لكن أسوأ شيء في الجوائز فعلا هو إمكانية الوصول إلى أسماء المحكمين في وقت مبكر. ولا يعني ذلك أن التأثير على المحكمين يكون سهلا لكن للأسف يمكن التأثير على البعض. وتجد أحيانا أحدهم قد نشر له كتاب عند نفس الناشر الذي فاز كاتبه بالجائزة في نفس العام! أو أن أحدهم كان معزوما في مؤسسة ثقافية يديرها الكاتب الذي سيفوز بالجائزة فيما بعد في نفس العام طبعا. لكن الغريب أن كثيرا من الجوائز العامة تمشي على فكرة العمر والأجيال. ففي مصر مثلا كان من الصعب جدا أن يفوز كاتب ليس من جيل السبعينيات بجائزة الدولة قبل أن يفوز بها كاتب من جيل الستينيات. ويفعل ذلك بعض النقاد أيضا الذين ارتبطوا بهم وخصوصا حين يكون بعضهم متنفذا في السلطة. وقد يمتد النفوذ خارج مصر ودائما العذر موجود. الفائز أكبر في السن والأيام مقبلة. وفعلا الأيام تأتي! لكن بعد أن تترك إحباطا كبيرا في الآخرين، خصوصا أن الأعمار بيد الله ويمكن جدا أن يموت كاتب أصغر قبل كاتب أكبر في السن. لكن في النهاية ذلك كله هو ابن حياتنا العربية المليئة بالإحباط، وحياتنا المصرية أكثر من فضلك.

لكن الجائزة في السنوات الأخيرة صار لها قيمة معنوية كبيرة حقا. وخصوصا الجوائز البعيدة عن الحكومات. بل صارت تساهم بحق في مبيعات أعمال الكاتب بدرجات مختلفة. وأعتقد أن هذا هو الأكثر أهمية الآن. أما القيمة المادية فتظل في مجملها متدنية ولا تشكل نوعا من الأمان المادي للكاتب، خاصة أن الغالبية العظمي من مبدعينا من فقراء الحال.

وعلى الرغم من حصولي على جائزتي الدولة في التفوق والتقديرية في الآداب عامي 2004 و2007، فإنني بعد خروجي على المعاش من وظيفتي الحكومية دفعتني ضغوط الحياة ومتطلبات العيش إلى إنشاء دار نشر خاصة بعد هذه السنوات، خاصة أنني لاحظت وجود الكثير من المواهب الشابة، الموجودة بكثرة سواء في الحياة العامة أو على شبكة الإنترنت، تحتاج إلى من يتبناها وينشر إبداعاتها لجودة الإنتاج الأدبي الذي تقدمه. إلى جانب أنني أصبحت أمتلك الآن الكثير من الوقت الذي لا أفعل فيه شيئا، وقد شجعني ابني على الفكرة من خلال وجوده معي كمصمم أغلفة معتمدا على خبرته السابقة في أقسام التنفيذ في مجموعة من الصحف المصرية.

وفي تصوري لا تنفصل مشكلات جوائزنا العربية عن غياب حياة نقدية قوية، قادرة على التعامل بموضوعية مع النتاج الأدبي. ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة منها غياب الصحافة النقدية القوية، حيث اختفت مساحات النقد ونشر الإبداع على صفحات الصحافة المصرية، أيضا غياب دور «المحرر» في دور النشر إلى جانب غياب الحياة الديمقراطية وهو ما أدى إلى غياب الديمقراطية عن الكتاب أنفسهم، فالكاتب بعد أن ينتهي من نصه يعتبره نصا مقدسا لا يجوز المساس به عن طريق الناشر على الرغم من أن الكتاب في العالم كله يخضع لمعايير «المحرر» بعد أن ينتهي منه الكاتب. وكل هذا لا يمهد الطريق السوية للحصول على الجوائز.

* كاتب وقاص وروائي مصري، حصل على عدد من الجوائز بينها «جائزة نجيب محفوظ» و«جائزة الدولة التقديرية في الآداب»