وهل يساعد الفوز على بقاء الفائزين في المجال الثقافي؟

لا- ... في نهاية المطاف هناك أولويات اجتماعية وأسرية تغلب الاعتبارات الثقافية

TT

لا تعبر الجوائز الثقافية في عالمنا العربي دائما عن معايير مهنية أو تشجيعية أو تقديرية، وفي كثير من الأحيان لا يساعد الفوز على بقاء الفائزين في المجال الثقافي..

بالنسبة للشق الأول، بالطبع لا يمكن التعميم هنا، ولا بد من قراءة نظام ومعايير كل جائزة والاعتبارات التي تحكم تكوين لجان التحكيم فيها الخ. ذلك أن بعض هذه الجوائز تخضع للمزاجية والأهواء فأصحابها هم الذين يقررون لمن تمنح جوائزهم حسب اعتبارات غير موضوعية وإنما ذاتية وحسب تفضيلهم وهم هنا لا يرجعون إلى لجان تحكيم أو حتى استشارة أهل الرأي والاختصاص، بل إنهم يقررون منح الجائزة لشخص ما لأنهم يفضلونه ويجدون فيه ما يحقق رغباتهم وأهواءهم.

باختصار ليس هناك صرامة في آليات الاختيار في حين نبغي أن تتوافر هذه الآليات ضمانة لحسن اختيار الفائز.

ثم أن فصل أو ابتعاد الجهات الممولة للجائزة عن تكوين لجان التحكيم تشكل ضمانة أولى وأساسية لابتعاد الاختيار عن عوامل الضغط المادي التي تلازم بعض الجوائز. ومن ثم، من البديهي أن نقول إننا لا نضع جميع الجوائز في كفة واحدة، فهناك تمايز واضح فيما بينها على أكثر من صعيد سواء في معايير اختيار لجان التحكيم أو في حجم المكافأة المادية أو في مدى استقلاليتها عن أصحابها.

بطبيعة الحال الجوائز التقديرية تكون لها صفة الشمولية، وغالبا ما يظفر بها الكتاب المتمرسون أصحاب الخبرة الطويلة، وبصفة عامة تأتي تكريما لمكانتهم الأدبية وعطائهم الممتد عبر سنوات طويلة. ثم إن الجوائز التقديرية غالبا ما يكون لها طابع رسمي أي تمنحها الدول للمبدعين والمكرمين من أبنائها. وتتفاوت قيمة الجوائز من الناحية المادية وهي تتصاعد أحيانا مع مرور الزمن. وفي هذا الصدد ثمة مقولة تنسب للكاتب السوري الراحل محمد الماغوط عندما جرى منحه جائزة عربية كبيرة قال فيها «إن قيمة الجائزة المادية التي مُنحت لي لا تكاد تكفي لثمن الأدوية التي أتعالج بها في هذا الزمن الرديء».

وهنا نصل إلى إجابتي عن الشق الثاني.

لا يساعد الفوز على بقاء الفائزين في المجال الثقافي في كثير من الأحيان فمن الناحية المادية أقول إن بعض الجوائز توفر بالفعل مبلغا كافيا للفائز بحيث تمكنه من مواجهة أعباء الحياة اليومية كالمسكن والملبس والغذاء. ولكن في المقابل، فإن تلبية الحاجات الأساسية للإنسان تدفع به إلى التوجه نحو مجالات أخرى ليست ثقافية بالضرورة.

نحن نعلم أن كتابة رواية أو إعداد دراسة قد يستغرق وقتا طويلا ويتطلب من المبدع بذل جهود كبيرة في مراحل الكتابة المختلفة إلى جانب توفير عدد كبير من المصادر والكتب والتفرغ الكامل أحيانا، كذلك يتطلب منه الانقطاع عن التواصل مع العالم الخارجي اجتماعيا ما يحرمه ويحرم وسطه الاجتماعي من أسس التواصل والتفاعل. لذلك، حرصا على بقاء العلاقات الاجتماعية والأسرية تسير بشكل طبيعي يلجأ الكثير من الفائزين إلى إعطاء الأولوية لهذا الجانب على حساب البقاء في مجالهم الثقافي والإبداعي.

أيضا، ينبغي أن لا نغفل أن الفوز بجائزة ثقافية كبرى هو في نظر بعض من يظفر بها تتويج لمسيرة طويلة تدفعهم إلى الخروج من المجال الثقافي على اعتبار أن هذا الفوز هو نهاية المطاف وتتويج لمسيرة طويلة.

* ناشر وكاتب فلسطيني - مدير عام «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»