هل يشكل عزل الرئيس محمد مرسي انقلابا؟

لا- لا انقلاب ولا عزل.. بل استجابة لـ22 مليونا طلبوا انتخابات مبكرة

TT

الحقيقة أنه قبل صدور قرار القوات المسلحة (المصرية) كانت هناك جماهير نزلت إلى الشارع، وكان هناك أكثر من 22 مليون مواطن طلبوا إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

تحرك القوات المسلحة يمكن النظر إليه على أنه خارج نطاق الشرعية الدستورية، وفقا للدستور الذي كان قائما، لكن لا يمكن تجاهل وجود شرعية شعبية. هناك ملايين المواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع ووصل عددهم إلى ضعفي عدد من صوّتوا لمرسي.

هؤلاء خرجوا رافضين للإخوان، ولم يكن الجيش قد تدخل بعد.

كل هذه الملايين خرجت لأنها رأت أن مرسي لم يقم بدوره كرئيس لجميع المصريين، وعبروا عن هذا كتابة أيضا من خلال استمارات «تمرّد»، التي هي عبارة عن طلب لسحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات جديدة، كما عبروا عن هذا فعليا حين نزلوا للشوارع أمام العالم أجمع.

من هنا نحن أمام إرادة شعبية. و«دستور 2012» الذي وضعه الإخوان أنفسهم ومعهم التيار الإسلامي، يقول في أول فصلين فيه، إن «الشعب مصدر السلطات»، وهو أساس تستمد منه كل سلطة شرعيتها، وبالتالي يوجد أساس دستوري للإرادة الشعبية والشرعية الشعبية.

والأساس الذي انطلقت منه هذه الفكرة، وهي فكرة «تمرّد» تتلخّص في أن مرسي وعد الناخبين بوعود لم يلتزم بها عندما تولى الرئاسة منتصف العام الماضي، وبالتالي، أخل بينه وبين الناخبين الذي أعطوه أصواتهم.

من هنا يمكن النظر لتحرك الجيش باعتبار أنه جرى خارج الشرعية الدستورية، لكن لا يمكن إغفال أنه جاء تلبيةً لإرادة شعبية وتعبيرا عن شرعية شعبية.

نحن هنا أمام مسألة هامة جدا.. ما يؤكد أن ما حدث ليس انقلابا، هو أن الجيش لم يتولى السلطة. لأن الانقلاب العسكري يعني ببساطة أن الجيش يتولّى السلطة السياسية ويحكم البلاد بنفسه، من خلال مجلس عسكري أو من خلال حكومة عسكريين.

لكننا اليوم أمام رئيس جمهورية، هو رئيس المحكمة الدستورية العليا، وصدر إعلان دستوري عن رئيس الجمهورية المؤقت يحدد فيه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وكيف تمارس. وسنكون أمام حكومة من المدنيين، ولجنة من أساتذة القانون والتيارات السياسية تعدّل الدستور.. إذن نحن هنا أمام حكم مدني وليس حكما عسكريا.

ويحضرني هنا الكاتب المعروف توماس فريدمان الذي لخّص الموضوع بقوله إن ما حدث في مصر «انقلاب ليس انقلابا». وبالتالي، كل من ينظر إلى الأمر من داخل مصر أو خارجها يرى أنه توجد مفارقة كالآتي: نعم يوجد قرار بتنحية الرئيس السابق، وهذا القرار تم خارج إطار الشرعية الدستورية، لكنه تعبير عن شرعية شعبية. وفي الوقت نفسه.. هم - أي الجيش - لم يتسلموا السلطة، بل من تسلّموا السلطة مدنيون.

وأعتقد أن وجود الدكتور محمد البرادعي نائبا لرئيس الجمهورية سيغيّر الموقف الدولي مما يجري في مصر بما له من وزن عالمي وسمعة دولية. كل هذا سيسهم في تغيير موقف الغرب تماما. وأعتقد أنه بوجود البرادعي سيساعد العالم العملية السياسية التي تجري في مصر.

ليس الغرب فقط.. هناك أيضا الدول الكبيرة في الشرق وهي روسيا والصين واليابان. كل هذه الأطراف لا أعتقد أنها ستتأخر في تعضيد التحول في مصر، إلى جانب المواقف العربية بطبيعة الحال.

حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، دُعي إلى المشاورات في القصر الجمهوري ورفض، وقال إنه لو شارك في المشاورات في هذا الإطار يكون قد اعترف بقرار عزل الرئيس السابق مرسي، وهو أمر يرفضه الحزب وجماعة الإخوان. وبالتالي، أصبح خارج نطاق العملية السياسية الجارية الآن في مصر.

لكن ستكون هناك مشكلة من عدم وجود الإخوان. طالما كان الإخوان المسلمون غير راضين ستكون هناك مشكلة موجودة في مصر. الإخوان فصيل سياسي قوي وكبير وقادر على أن يزعج السلطة في أي وقت، مثلما يفعل الآن في بعض المواقع مثل قطع السكك الحديدية أو التحرّك للاستيلاء على مبنى محافظة من المحافظات وهكذا.

وأعتقد أن هذا لن يتغير من جانب الإخوان إلا إذا تغيّرت جماعة الإخوان المسلمين الحالية وجاءت قيادة معتدلة حريصة على مستقبل الجماعة.. لأن الطريق الذي تسير فيه القيادات الحالية للجماعة يكاد يودي بجماعة الإخوان. الأمر يحتاج قيادة جديدة ليست من المجموعة المعروفة بـ«القطبيين»، بل الأمر يتطلب مجموعة تكون قادرة على فهم التطور السياسي الذي جرى في البلاد وتتعامل معه بمرونة، مما يمكن الجماعة من الاحتفاظ بنفسها ومواصلة الدور في الحياة السياسية مستقبلا.

* رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والقيادي في جبهة الإنقاذ.