.. وهل تؤيد تحرك القوات المسلحة، ولماذا؟

لا- .. إذ قام قائد الجيش بتعطيل الدستور الذي أقسم على احترامه عند تعيينه

TT

قبل الإجابة على السؤال أحب أن أعدّله قليلا ليعبّر عما حدث بدقة، وذلك لأن بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الذي قرأه الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، مساء الأربعاء بعد انقضاء مهلة الثماني وأربعين ساعة للخروج من الأزمة لم يتضمن ذكرا للإخوان من بعيد أو قريب. بل إنه لم ينص صراحة على عزل الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي، وإنما دلّ على القرار بما لا يدع مجالا للشك فقرات البيان المختلفة التي نصّت على تعطيل العمل بالدستور بصفة مؤقتة وعلى تولي رئيس المحكمة الدستورية منصب رئيس الجمهورية لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة. وبناء على ما تقدم أقترح أن يصبح السؤال: هل يشكل عزل قائد الجيش للرئيس المنتخب (في انتخابات حرة نزيهة) انقلابا؟

والإجابة المباشرة في الأحوال المعتادة هي: نعم بكل تأكيد، فقد قام قائد الجيش وزير الدفاع السيسي بتعطيل الدستور الذي أقسم على احترامه عند تعيينه في منصبه، وهذا هدم للشرعية بادئ ذي بدء بل نقض لشرعية السيسي نفسه. كما يلاحظ أن البيان صادر من القيادة العامة وليس من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي لم يظهر من أعضائه عند قراءة البيان سوى قائد البحرية وعضوين آخرين من مجموع 17 عضوا مما جعل الكثيرين يصدّقون بعض التقارير الإعلامية المتسرّبة عن عدم رضا عدد من كبار القادة عن قرار السيسي، وفي مقدمتهم قائد الجيش الثاني الميداني وقائد الجيش الثالث الميداني، ناهيك عن أن الفريق أول القائد العام يتبع من الناحية العسكرية المهنية والرسمية القائد الأعلى للقوات المسلحة ألا وهو رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، وتقضي التقاليد والأعراف العسكرية في جيوش العالم أجمع بأن يأتمر القائد العسكري بأوامر من يعلوه رتبة، وعكس ذلك هو الانقلاب بعينه.

لكن يعارض هذا الرأي بشدّة الملايين الذين خرجوا في 30 يونيو يطالبون بإسقاط مرسي، فهم يعتبرون الأعداد التي احتشدت في ميادين مصر لترفض استمرار الرئيس هي صاحبة القرار والشرعية والحق في عزل من تريد وتعيين من تريد. ومهما بدا هذا الرأي قويا في قناعة أصحابه إلا أنه لا يجيز تسمية الأشياء بغير أسمائها.

كما أنني أتفهم موقف ملايين المصريين الذين يتمسكون بشرعية الرئيس محمد مرسي، وهم بالملايين الآن في شوارع مصر ليظهروا لرفاق الوطن من معارضي الشرعية الدستورية أنهم ليسوا أقل منهم عددا إن لم يكونوا أكثر منهم، كما تبين ذلك من الجموع الهائلة التي خرجت اليوم مطالبة بعودة مرسي، ولم تنحصر في الإخوان وأنصارهم.. بل انضم إليهم أعداد كبيرة من المصريين الذين يرفضون أن يئد الجيش ديمقراطيتهم الوليدة في مهدها.

إن الرئيس الأستاذ الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب تعرفه مصر في تاريخها، منذ إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953. وجاء بعد أربعة رؤساء عسكريين. كان أولهم اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة، وقد عيّنه هذا المجلس الذي حكم البلاد منفردا طوال الفترة الانتقالية (1952-1957). وفي 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 1954 قام نفس المجلس بعزل الرئيس نجيب من منصبه وعين مكانه البكباشي (المقدم) جمال عبد الناصر، وجدّد عبد الناصر رئاسته عن طريق الاستفتاءات الصورية التي كان التصويت فيها بنعم أو لا وفاز فيها بنسبة 99 في المائة من الأصوات. ولما توفي عبد الناصر في سبتمبر (أيلول) 1970، خلفه نائبه أنور السادات (زميل عبد الناصر في تنظيم الضباط الأحرار) بعد استفتاء شبيه باستفتاءات عبد الناصر (بنسبة 97 في المائة) ليصبح ثالث رئيس مصري ويبقى في المنصب حتى اغتياله في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1981. ثم أعقبه الفريق أول طيار حسني مبارك الذي حكم نحو 30 سنة بخمسة استفتاءات صورية، كان مبارك المرشح الوحيد في الأربعة استفتاءات الأولى، لكنه سمح أن يقف أمامه مرشحون في استفتائه الأخير، ورغم ذلك سحقهم واحتفظ بالرئاسة لفترة خامسة حتى أجبرته «ثورة يناير» على التنحي وتسليم البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وأخيرا في 30 يونيو 2012 تولى الدكتور محمد مرسي منصب الرئاسة بعد فوزه بنحو 52 في المائة من أصوات الناخبين في جولة الإعادة بينه وبين الفريق أحمد شفيق الذي ساندته قوى كثيرة في الداخل والخارج (ومنها قيادات الجيش) إما رغبة في العودة إلى نظام مبارك أو كرها لتولي هذا المنصب رئيس ذو توجه إسلامي.

كانت أهم أولويات مرسي: استكمال وسرعة بناء مؤسسات ودعائم الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، بوضع دستور جديد وانتخاب مجلس تشريعي، ولكن المحكمة الدستورية العليا قضت بحل مجلس الشعب الذي انتخبه بحرية وشفافية 32 مليون مصري، واجتمعت قوى الثورة المضادة مع حلفائها من الأحزاب السياسية اليسارية والليبرالية على رفض الدستور الذي وضعته الجمعية التأسيسية المكونة في تشكيلها الأخير من 100 عضو مختارين حسب قواعد دقيقة وضعها ممثلون عن جميع الأحزاب المصرية وفقا لقواعد اتفقوا عليها برعاية المجلس العسكري في أبريل (نيسان) 2012، وهو أفضل دستور رأته مصر حتى الآن لكنهم شنوا حملة لإسقاطه، ولما عرض على الشعب في استفتاء وافق الناس عليه بنسبة 67 في المائة.

قوى الثورة المضادة وحلفاؤها من الأحزاب السياسية اليسارية والليبرالية أفشلوا جهوده ورفضوا التعاون معه وهاجموا كل مشاريعه، وافتعلوا الأزمات وشجعوا وحرضوا على الحركات الاحتجاجية التي بلغت 9 آلاف في سنة واحدة (مركز الدراسات التنموية - سعد الدين إبراهيم) فتوقّف الإنتاج وزادت البطالة والديون، كما أدى الموقف السلبي الذي اتخذته قيادات الشرطة في عهده إلى غياب الأمن في البلاد فلم تنجح جهوده المستميتة أو رحلاته لكل أرجاء العالم في جذب المستثمرين وأموالهم إلى مصر، بالإضافة إلى عدم تنفيذ الدول الشقيقة وعودها بمساعدة مصر مما كانت نتيجته تدهور الاقتصاد وانخفاض قيمة الجنيه وزيادة معاناة الناس.

* قيادي إسلامي مصري مقيم في لندن