السؤال الثاني: وهل يتحمل الإسلاميون المسؤولية؟

لا... لا يمكن مواجهة المشروعين الصهيوني والإيراني إلا بأمة صاحبة رسالة ومشروع

TT

يستعجل البعض في تحليله المشهد المصري ليوحي أنه يمثِّل بداية الخريف لـ«الربيع العربي»، ثم يذهب أبعد من ذلك مبشّرا بنهاية «الإسلام السياسي».

هذا أقرب للأمنيات والرغبات من التحليل الموضوعي، ليعطي الأولوية لمعركة مع ما سماه «الإسلام السياسي» على حساب بذل الجهد في سبيل نهوض الوطن وتكامل الأمة، خاصة أنها تواجه مشروعين يسعيان لإضعافها وتغييب دورها: المشروع الصهيوني والمشروع الإيراني اللذين لا يمكن مواجهتهما إلا بأمة صاحبة رسالة ومشروع، تغادر موقع المتلقّي لتتحول لموقع المبادر.

ويحلو للبعض أيضا أن يدخل لعبة التصنيفات المتعلقة بـ«الإسلام السياسي»، وأن يصفه بالمتصادم مع الحريات والديمقراطية وأنه لا يستحق أن تختاره الشعوب بإرادتها الحرة عبر صناديق الاقتراع أربع مرات متتالية في انتخابات مجلس الشعب، ومجلس الشورى، والانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور.. ما يجعل من المستحيل أن يكون هذا الخيار مجرد طفرة، لا سيما أن واقع الميادين المؤيدة لعودة الشرعية واستمرار الاعتصامات والمسيرات لمدة أربعة أسابيع، التي لا يضرها تجاهل بعض القنوات العربية لوجودها، ليبرّر قبوله المجيء على ظهر الدبّابات بعدما خذلته صناديق الاقتراع ليظهر جليا من هو أقرب للحياة أو الخريف.

إنني أكاد أجزم أن «الإسلام السياسي» بخير، وأن المستقبل لا يزال أمامه، بينما عدد من التيارات الأخرى ومنها بعض الليبراليين أصبحوا بعيدين عن خيارات الشعوب. وتكفي المقارنة بين ما قبل الانقلاب حين جاء الرئيس بصناديق الاقتراع، فلم يقفل مؤسسة إعلامية واحدة، ولم يفتح معتقلا سياسيا، بينما من يبشر بـ«خريف الإسلام السياسي» جاء من خلال انقلاب عسكري كان أول ما فعل إقفال محطات التلفزيون، والقيام بالاعتقالات السياسية ومهاجمة المعتصمين السلميين ما يدل على وجود أزمة شرعية حقيقية لديهم.

ويحاول البعض الإيحاء بأن الإسلاميين لا يمتلكون أي مهارة في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح المواطنين واحتواء الآخرين، ولكن هل من يدّعي ذلك قدّم تجربة أفضل؟ الرئيس المنتخب الذي يرغب البعض في منعه من الاستكمال ولو على حساب دم المصريين ومستقبلهم وكرامتهم، قد يكون جانبه الصواب في بعض الاجتهادات في جو مليء بالتشويش والتعويق، ولكنه في أقل من سنة استطاع أن يؤمن ما يكفي من قمح لعام كامل من مصر والسودان، ووقّع اتفاقية للطاقة النووية مع روسيا، وإنشاء أكبر مصنع للإسمنت في العالم مع البرازيل، ومشروع المنطقة الحرة في قناة السويس مع الصين، واتفاقية الطاقة الشمسية مع ألمانيا، واتفاقية الصناعات العسكرية مع الهند، بينما لم يستطع الانقلابيون تأمين الاعتراف سوى من أربع دول إحداها الكيان الصهيوني.

لقد فات من يبشر بانتهاء «الربيع العربي» و«الإسلام السياسي» أن الشعوب قد اكتشفت قوتها وامتلاكها زمام المبادرة من جديد، وتنبّهت إلى قدرتها على الحراك السلمي لتحقيق الإصلاح والتغيير والكرامة الإنسانية والحرية والعدالة، فكسرت حاجز الخوف من بطش أجهزة أمن الدولة المختلفة.

وللمستعجلين على التخلّص من «الإسلام السياسي» أقول، إن زهور «الربيع العربي» و«الإسلام السياسي» جزء منه ولا يختزله، لا بد أن تنضج ثمارا في مصلحة الأمة ولكنه يحتاج لاستكمال عملية التحول إلى أن يمرّ بثلاث مراحل: مرحلة الانتفاض على النُّخَب الحاكمة التي تصرّ على الاستبداد والظلم والفساد وقد وقعت، ثم مرحلة المعركة السياسية والاجتماعية مع فلول الأنظمة البائدة ومع المعوِّقين وهو ما نمرّ به اليوم، ثم المرحلة الثالثة وهي تأسيس الدولة عبر بناء نظام ديمقراطي تعدّدي حرّ يستند إلى شرعية شعبية حقيقية ويمثل تطلعات الشعوب ومصالحها وقضاياها.

لقد كان الأمل كبيرا بعد «ثورة 25 يناير» بأن تتكامل القوى الإسلامية في المنطقة لتعود أمتنا من جديد أمة رسالة ومشروع، قادرة على مواجهة المشروعين الصهيوني والإيراني، ولكن يبدو أن هذا يسيء إلى البعض. ولكنني أمام ما أراه من إصرار الشعب المصري على استعادة شرعيته التي سلبها الانقلاب بالأدوات السلمية، والقيام بعد ذلك بحوار وطني بلا سقوف ولا شروط، أرى أن هذا الأمل أصبح أقرب للتحقيق من أي وقت مضى.

* عضو مجلس النواب اللبناني عن «الجماعة الإسلامية»