السؤال الثاني: هل يساعد التدخل الخارجي في تبديل المعطيات على الساحة السورية؟

نعم... الضربة العسكرية ستؤثر.. لكنها لن تسهل التوصل إلى تسوية سياسية

TT

أجازت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي للرئيس باراك أوباما «معاقبة» النظام السوري على استخدامه السلاح الكيماوي لضرب المدنيين، ما يرجح حصول الرئيس الأميركي على موافقة أغلبية أعضاء الكونغرس على المضي قدما فيما بات يعرف على نطاق واسع بـ«الضربة» العسكرية ضد النظام السوري.

وطبقا لما بات معروفا فإن الضربة بنتائجها العسكرية، ستكون أكبر بقليل من تلك التي يسعى النظام السوري لتصويرها، وأقل بقليل من طموحات المعارضة، ما يعني أنها قد لا تؤدي إلى إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتاليا لا تفسح المجال للمعارضة للاستيلاء على السلطة في أعقاب الضربة. وانطلاقا مما سبق، ستعيد الضربة الأميركية على النظام السوري خلط الأوراق على الساحة السورية؛ فهي ستضعف من قدرة النظام وتفوقه، أقله في المجال الجوي، والأسلحة الاستراتيجية، التي تفتقر إليها المعارضة، لأنه إذا كان متعذرا قصف مخازن الأسلحة الكيماوية بسبب النتائج الكارثية التي ستنتج عن هذا القصف، فإن الولايات المتحدة ستلجأ إلى قصف الوسائل العسكرية للنظام التي استخدمها وقد يستخدمها، من أجل إعادة الكرة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستقصف منظومة الصواريخ السورية وتعطل سلاح الجو للحؤول دون إمكان النظام السوري من جديد من قصف المدنيين ومعارضيه بالسلاح الكيماوي.

ما بعد الضربة يطرح احتمالات عدة للمسار السياسي في سوريا، أولها أن تحاول المعارضة الإفادة من الحد من تفوق النظام، لتحقق مكاسب ميدانية في المدن الرئيسية، حيث ما زال النظام يسيطر على معظم هذه المدن التي تضم قرابة 70 في المائة من مجمل الشعب السوري، خصوصا العاصمة دمشق وحلب وحماه وسواها. وتاليا، فإن قوى المعارضة قد تستأخر العملية السياسية لتحقيق مكاسب ميدانية تعزز موقعها التفاوضي مع النظام، أو أنها ستمضي قدما في عملية إسقاط النظام وخلق دينامية سياسية جديدة طبقا لتطور قدراتها الميدانية.

الاحتمال الثاني أن يلجأ النظام إلى تقديم تنازلات «مؤلمة» للمعارضة، تستدعي تقديم العملية السياسية على المسار الميداني، إلا أن هذا الأمر دونه عقبات، أولها أن النظام السوري ليس من النوع الذي يقبل بالاعتراف بخصومه، الذين هم في نظره جماعة من «الإرهابيين» المغرر بهم، و«المأجورين» للخارج، وتاليا لا حل مع هؤلاء سوى التخلص منهم. وثاني العقبات، أن المعارضة التي دفعت آلاف الشهداء لن تقبل بعملية سياسية تلحظ بقاء أو مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في صياغة مستقبل سوريا.

لذلك من المستبعد أن يلجأ أي من الطرفين إلى تقديم تنازلات جدية لصالح العملية السياسية التي تنتظر انعقاد مؤتمر جنيف.

إلى ما سبق، هناك أيضا المصالح الإقليمية على الساحة السورية التي إذا ما أضيفت إلى العوامل الداخلية فستزيد من تعقيدات العملية السياسية، خصوصا إيران وروسيا والصين التي تدعم نظام الأسد، وتبحث عن ضمان لشبكة مصالحها ببقاء النظام أو بعد رحيله.

فإيران، التي تستثمر على جميع المستويات في سوريا منذ إسقاط نظام الشاه، أعلنت أن الدفاع عن دمشق هو بمثابة الدفاع عن طهران، وسقوط الأسد يعني، حسبما يقول الكثير من الخبراء، سقوط نظام الملالي في طهران والمشروع التوسعي الإيراني في الشرق الأوسط.

وموسكو، التي تبني أكبر قاعدة عسكرية لها في طرطوس، لن تقبل بسقوط الأسد مجانا... وهي تسعى إلى إعادة الاعتبار إلى دورها في ثنائية الحرب الباردة، التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي، من البوابة السورية.

في المقابل يخشى الغرب، الذي لا مصالح حيوية له في سوريا، من تفشي استخدام الأسلحة المحظور استعمالها دوليا، ويقف إلى جانب منظومة دول الخليج العربي من أجل إسقاط الرئيس السوري بعد أن أفشل الأخير جميع المحاولات للحؤول دون تفاقم الأمور في بلاده.

إزاء كل هذه التعقيدات، وبين تضارب المصالح الإقليمية والداخلية السورية، من المستبعد أن تؤدي الضربة العسكرية إلى حل سياسي في مؤتمر جنيف الذي لم يحدد موعد انعقاده، ومن المرجح أن يستمر النزاع العسكري إلى حين إلحاق أحد طرفي النزاع الهزيمة بالآخر، أو تزامن الضربة العسكرية مع عمل استخباري يعجل بالتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد، مما يفسح في المجال أمام انطلاق العملية السياسية.

* كاتب صحافي لبناني