هل وصل نظام «الإنقاذ الوطني» إلى طريق مسدود، من شأنه التعجيل بنهايته؟

لا ... لأن «الإنقاذ» دأبت على فتح الانسدادات وتعزيز الهوية المدنية للسلطة

TT

لا يمكن إثبات الانسداد على حكومة «الإنقاذ الوطني»، بدلالة أنها لم تتوقف عن سعيها الجاد نحو ضرورة المشاركة السياسية من قبل كل القوى الفاعلة في المجتمع السوداني، كما أنها لم تكفّ عن التفكير بشكل مستمر في إزالة المتاريس والحواجز المنصوبة أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

ويتضح هذا الجانب بجلاء في معدلات النمو التي طرأت على مجتمع الاقتصاد السوداني، والتطور الذي شهدته قطاعات الخدمات المختلفة، المتمثلة في التعليم والصحة والطرق، ومشاريع البنية الأساسية الأخرى، التي لا توجد مقارنة بينها وبين الوضع الذي كان قبل عام 1989م، بل ومنذ استقلال السودان.

ويحمد لـ«الإنقاذ» أنها لم تكفّ عن إزالة الانسدادات التي صاحبت مسيرة هذا البلد، فيما يلي الجوانب التالية:

أولا: يكاد المرء يجزم أننا منذ الاستقلال لم نبارح الدائرة الخبيثة المتمثلة في الحكم العسكري المتكئ على القوة العسكرية، بمعزل عن القوى السياسية. ولكن الإنقاذ تحاول جادة التخلص من ربقة هذه الدائرة، ولأول مرة في تاريخ السودان يتحول نظام من عسكري إلى مدني، فيسمح للأحزاب السياسية بالتنافس السياسي وممارسة النظام، وذلك استهدافا للتداول السلمي للسلطة. بعيدا عن دورات العنف والانقلابات، وهذا المسار ظلت «الإنقاذ» تصر عليه، على الرغم من الممانعة الدائمة من قبل بعض القوى السياسية المتمترسة في محطة الإقصاء والعزل السياسي وإسقاط النظام، بطرق لا تمت إلى الديمقراطية ولا إلى إرادة الشعب التي لا يعبر عنها إلا عبر صندوق الاقتراع.

ثانيا: اتكأت الإنقاذ على مبدأ الحوار مع جميع القوى السياسية، ودون أدنى نية لإغلاق أبوابه، حتى مع الحركات المسلحة التي تستخدم السلاح وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية. وتمثل هذا الحوار في احترام رغبة شعب جنوب السودان في الانفصال، بموجب اتفاقية شهد عليها العالم، الذي شهد في ذات الوقت على مصداقية الإنقاذ، حين تبرم ميثاقا وتوقع عليه.

ثالثا: يظل جهد الإنقاذ منصبا على ضرورة المحافظة على أمن المواطن وسلامته، بعيدا عن المراهنات السياسية والمطالبات التي تتخذ من بعض الأسباب الاقتصادية معبرا نحو تحقيق مآربها الذاتية، إحراقا وتدميرا ونهبا للمؤسسات العامة والخاصة، والإضرار بمصالح الدولة والمجتمع.

رابعا: لا تزال «الإنقاذ» متمسكة بالمسار السلمي والمشاركة في اتخاذ القرار، بشأن مسودة الدستور التي من شأنها أن تحقق مطالب الجماهير، توضيحا للحقوق والواجبات والعلاقات، بلا عزل لحزب أو طائفة أو جماعة، مهما كانت آيديولوجيتها.

خامسا: تظل أهداف الإنقاذ من خلال إجراءاتها وحواراتها، على درجة من الإصرار القاطع باتجاه إقرار نظام ديمقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة، والترحيب بنتيجة الانتخابات الشفافة والمراقبة، للوصول لنظام مستقر ومعبر عن إرادة الشعب.

وأمام هذه المبادئ نستطيع القول إن الذين يسيرون عكس هذا المسار، هم الذين يعانون من الانسدادات الفكرية والسياسية، التي لا تصب إلا في تعويق تحقق الهدف النبيل للإنقاذ، الذي لا مجال لمن يقف في طريق تحققه إلا مواجهة خيبة الأمل ومرارة الفشل، استنادا إلى التجربة الطويلة للإنقاذ.

هناك فرق شاسع بين الذي يحاول إزالة الانسدادات، وذلك الذي يحاول إلقاء الصخور في شعب تسرع خطاه نحو السلام والتطور والنماء.

وما يجعل المرء على قناعة بأن «الإنقاذ» لم تصل إلى طريق مسدود أنها واجهت حرب شرسة، استمرت لأكثر من 10 سنين في أوائل أيامها، ولم تهزم بجيش أو آلة عسكرية أو عداء خارجي، بيد أنها انصاعت للإرادة السياسية والحوار المباشر، مما أسفر عن توقيع اتفاقية السلام الشامل.

ويظهر كتاب الإنقاذ وإنجازاتها دلالة واضحة بأنها قد أزالت معظم الانسدادات، التي صاحبت مسيرة هذا الوضع، وفقا للأرقام التالية:

- لم يكن رصيد بنك السودان في عام 1989م سوى 100 ألف دولار، بينما تنامى هذا الرصيد إلى المليارات، بدلالة ما أنشئ من بنية أساسية من خدمات الكهرباء والاتصالات ومساحات الزراعة، وغيرها من المجالات.

- ارتفع عدد الطلاب المقبولين بالجامعات من 50 ألف طالب إلى أكثر من نصف مليون، بعد أن كان طلاب السودان يسافرون إلى بلدان العالم طلبا للعلم، وذلك بعد أن اتسعت قاعدة التعليم العام والعالي، حيث بلغ عدد الجامعات أكثر من 60 جامعة، في مجالات التخصصات النادرة، وأضحى السودان مأوى لأفئدة طلاب العلم العربي وأفريقيا وآسيا.

- ارتفع التوليد الكهربائي من 200 ميغاواط إلى الآلاف، وغاب انقطاع الكهرباء عن المساكن والمصانع والمزارع، بعد أن كان التيار الكهربائي في حالة قطع دائمة، وكان الناس يعانون الظلام وتعطل الإنتاج بسبب قلة مواعين الطاقة وانعدام المحروقات.

- استطاعت «الإنقاذ» أن تقضي على النقص المريع في السلع الأساسية والدواء، الذي كان يسبب قلقا وجزعا للمواطنين.

- كلنا نذكر كيف كان الناس يتراصون صفوفا للحصول على قطع من الخبز، وغرامات من السكر في أعوام الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وقد أصبحت الصورة أثرا بعد عين. إذن لا يمكننا أن نرسل قولا على عواهنه، بأن «الإنقاذ» وصلت إلى طريق مسدود، وهي التي قهرت كل تلك التحديات، وحكمت صخورا ما كان لها أن تحطمها، لولا ما تتمتع به من إرادة سياسية غلابة تجنح نحو ضرورة تحمل المسؤولية الوطنية، بمشاركة الجميع.

وعليه، فإن الوصف المناسب لـ«الإنقاذ»، فإنها قد تخصصت في فتح القنوات وإزالة الانسدادات، والتغلب على الأزمات في ظروف عصيبة وأحوال قاسية، وذلك بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء.

* الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الوطني الحاكم