هل يعد زواج القاصرات «ظاهرة» من الواجب محاربتها بمعزل عن أي اعتبار؟

نعم... إنها ظاهرة حقا، لها خلفياتها الاجتماعية الثقافية.. وأيضا ذرائعها الدينية

TT

نعم زواج القاصرات تكاد تكون ظاهرة، خاصة في المجتمعات العربية، وتحديدا في أريافها التي تعاني من الفقر، وفي مقدمة تلك الأقطار العربية التي تسود فيها هذه الظاهرة اليمن. على أن الفقر ليس السبب الوحيد.. فهناك القبول الثقافي والاجتماعي لزواج الطفلات، وهناك من يسعى لتغليفه بغطاء ديني لأنهم يعلمون أن الدين مكون أساسي وراسخ وثابت من ثوابت الهوية اليمنية، وأن الأمر مرتبط بتفسير أحكام الشرعية الإسلامية.

ومع أن العامة وكثيرا من القيادات الدينية تستند إلى نهج الوسطية والاعتدال والتعاطي الإيجابي مع روح العصر من دون المساس بثوابت العقيدة، فإن مجموعة تمثل أقلية تسعى لفرض رأيها المتشدد في هذا المجال بمقاومة سن تشريع لحد أدنى للزواج في القانون.

ومع تسليمنا بأن الناس، وخصوصا في المناطق الريفية التي تقل فيها نسبة التعليم وتسود الأمية وتطغى الأعراف والعادات والتقاليد على القوانين تواصل ممارستها، فإن القانون سيقيدها ويحد من انتشارها إلى أن يتحول القانون بين الناس عادة وممارسة.. لا يكسر ولا يتحايل عليه، وعندها سيدرك الجميع نفع القانون وأثره الإيجابي عليهم، وإن الدول بالتشريعات تسعى لضمان مصالح الناس لا الإضرار بها.

ولا شك في أن الحاجة ستظهر لحملات توعوية واسعة قبل صدور القانون ومصاحبة لظهوره لتوضح للناس مخاطر الزواج المبكر على الفتاة كفرد وعلى الأسرة بأسرها، وأهمية أن تكون الزوجة متعلمة لتحسن رعاية أسرتها وعلى المجتمع برمته للاحتياج إلى قوى بشرية متعلمة تسهم في النهوض به، ومواجهة تحديات وأعباء التنمية. وكون النساء يمثلن 50% من الموارد البشرية فلا يمكن أن يستمر تجاهل أمر تعليمهن وتدريبهن وإدماجهن في المشاركة الكاملة والفاعلة في المجتمع.

إن مكافحة هذه الظاهرة يجب أن تستند إلى قناعات الناس وإدراكهم الآثار السلبية لظاهرة الزواج المبكر على النمو الطبيعي للفتاة، الذي لا يقتصر فقط على النمو الجسمي، بل النمو العقلي والنفسي أيضا.. والاستعداد الكامل لتحمل مهام وأعباء ومسؤوليات الزواج. وكذلك ثمة مخاطر للزواج المبكر على التنمية، واليمن يواجه تحديات تنموية جمة وأهمها ارتفاع معدل النمو السكاني (3.1) كما يبلغ معدل الخصوبة (7.4)، ناهيك بظروف اقتصادية وسياسية تزيد الأمر تعقيدا. كذلك ينبغي أن تستند إلى الموروث الثقافي والديني للناس لتطمينهم بأن ذلك لا يتصادم على الإطلاق مع جوهر الشريعة الإسلامية التي أعلت شأن الإنسان وكرمته وتحافظ على مصلحته.

إن جهات كثيرة مهتمة اليوم بهذه القضية، التي أصبحت قضية رأي عام، داخليا وخارجيا، بسبب آثارها وتداعياتها، أولها الإعلام ونشطاء حقوق الإنسان. وكانت «اللجنة الوطنية للمرأة» في اليمن، وهي جهة حكومية، قد اهتمت مبكرا بهذه المسألة منذ أكثر من عقد من الزمن، وخصوصا لجهة الدعوة لتشريع يحد من زواج الصغيرات. كذلك فإن وزارة حقوق الإنسان ستقف مدافعة عن حقوق كل الفئات الضعيفة، وخصوصا النساء والأطفال والفئات المهمشة. ثم إن هناك أيضا منظمات مجتمع مدني معنية بالطفولة وبالمرأة، ومنظمات الأمم المتحدة المعنية بتعزيز حقوق الأطفال والنساء كمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة والمفوضية السامية للأمم لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى. ولقد طرحت القضية، بالفعل، خلال «مؤتمر الحوار الوطني» في مجموعات الحقوق والحريات التي ترى أن عدم التشريع لسن أدنى للزواج فيه انتهاك لحق الطفولة، وهناك أنصار داخل البرلمان اليمني.

كل هذا يمثل مصادر قوة وفرصا ستعزز من تغيير هذا الواقع الذي لا يستجيب لمنطق الحداثة والعصرنة، وعناصر توسع وتمدد قاعدة المدافعين عن حقوق الإنسان، وخصوصا الأطفال.

* وزيرة حقوق الإنسان في اليمن