هل ثمة مؤسسات اجتماعية، أهلية أو حكومية، قادرة على تغيير هذا الواقع.. قريبا؟

نعم... الجهود المبذولة مشجعة جدا ولكن لا ضمانات لنجاح المعالجة قريبا

TT

لا شك في أن الجهات الحقوقية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن إيقاف زواج القاصرات الذي هو استغلال زواجي للفتيات الصغيرات. وعلى رأس هذه الجهات هيئة حقوق الإنسان التي اهتمت في السنتين الأخيرتين بإصدار «نظام الاتجار البشر» الذي تنص عقوباته على الحد من وجود هذا النوع من الزواج الذي يتاجر بأجساد وقلوب فتيات صغيرات لا حول لهن ولا قوة، لكن النظام ما زال غير مفعل أو غير معلن لكل شرائح المجتمع، وخصوصا الطبقات الفقيرة التي لا ترى في هذا الزواج أي مشكلة ما دام يستر بناتها الصغيرات. لذلك أتمنى من الهيئة أن تشن حملات توعوية مستمرة للمجتمع عن هذا النظام وعقوباته، وخصوصا مأذوني الأنكحة في مختلف المناطق الذين لا يتقون الله عند عقدهم النكاح لفتاة ضعيفة أو مستغلة أو مضطهدة! كذلك أقول إن من الجهات التي بإمكانها تتدخل وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال وحدات الحماية الاجتماعية التي قد تتدخل في بعض الحالات التي يصاحبها عنف جسدي أو نفسي بسبب حياة زوجية غير متكافئة، فتلجأ والدة الفتاة طالبة إغاثة ابنتها الصغيرة مما هي فيه من معاناة قد تدفعها لما هو أسوأ من حياتها التي تعيشها. ولقد تدخلنا في بعض الحالات التي جرى إيواؤها بعد هروبها من زوجها المسن كحماية لها من عنف الزوج والأب، وذلك بالرفع إلى القاضي للتدخل في إنهاء ذلك الارتباط غير المتكافئ! أيضا وزارة العدل من الجهات المهمة في القضاء على هذا الزواج غير الإنساني الذي لا يهدف إلا المتاجرة بعذرية الفتيات البريئات، وذلك من خلال سن العقوبات المشددة على كل قاض يوافق على تزويج القاصرات، مع أهمية الإسراع في إنشاء المحاكم الأسرية ومدونة الأحوال الشخصية لكي تسهم في نشر الثقافة الحقوقية للنساء بمختلف الشرائح العمرية والاجتماعية من أجل عدم الاستسلام لأي استغلال لحياتهن، وبالذات، الأمهات اللاتي يقفن صامتات أمام بيع بناتهن لأزواج لا يخافون الله ولا يخجلون من أنفسهم المريضة بحب الارتباط بزوجات لا يناسبنهم شكلا أو مضمونا!! من جهة ثانية، ومع الأسف الشديد، فإن قضية زواج القاصرات لا نملك تجاهها إحصاءات واضحة ولا يوجد - إلى الآن - جهة محددة مسؤولة عن متابعة معالجتها والحد من آثارها السيئة على مستقبل كثير من الفتيات الضحايا عندما يجري استغلالهن في ارتباط زواجي غير متكافئ، وما يسببه ذلك من قضايا أكثر خطورة من الزواج نفسه.

لقد تابعت حالات فتيات مفرج عنهن بعد السجن بسبب هروبهن من منزل الزوجية التعيس، أو بالأصح «سجن الزوجية» الذي زج بهن آباؤهن داخل قضبانه مع زوج يكبرهن بسنوات، فتدفعهن أسباب كثيرة للبحث عمن يعوضهن الأمان العاطفي إلى خارج العلاقة الزوجية المشروعة وهو ما يتسبب بالهروب والدخول في علاقات عاطفية غير مشروعة يجري استغلالهن من خلالها جنسيا وعاطفيا. وهكذا، تتحول معاناتهن، بعد استغلالهن ماديا من قبل آبائهن واستغلال أزواجهن كبار السن لهن جنسيا، إلى قضية أخلاقية تسجل ضدهن بسبب هروبهن مع أشخاص مقاربين لهن في العمر.. وفيها يقبض عليهن ويصبحن بذلك ضحايا زواج غير متكافئ أجبرن عليه بسبب المادة أو بسبب التخلص من عبئهن داخل الأسرة كما يبرر كثير من أولياء الأمور لفعلتهم اللاإنسانية تجاه بناتهم الصغيرات! لذلك، أقول، لا بد من محاربة هذا النوع من الزواج غير الإنساني الذي تقهر فيه كثير من الفتيات اللاتي يتحولن إلى شخصيات منحرفة ومضطربة بسبب ما تعرضن له من استغلال مادي وعاطفي وجنسي.

* مديرة دار الحماية والضيافة للفتيات بالرياض - كاتبة إعلامية - أخصائي نفسي أول