السؤال: هل يشكل إبعاد الإخوان المسلمين ضمانة للحكم المدني؟

نعم... لأنهم استغلوا وكالة الشعب لمصادرة مقومات المجتمع الأساسية

TT

إن لمصطلح الدولة المدنية معاني متعددة. فهناك دلالته العامة كمصطلح متجرد، وهناك دلالته الخاصة، أي المعاني الخاصة في تطبيق اجتماعي معين زمانا ومكانا، وهناك دلالته المشتركة، أي المعنى الذي تتشارك في فهمه كل الفلسفات والمناهج - بصرف النظر عن أوجه الاختلاف بينها - وهناك دلالته المنفردة، أي المعنى الذي تنفرد بفهمه فلسفة ومنهجا معينين، وبالتالي، تتعدد بتعدد هذه الفلسفات والمناهج.

إذا تناولنا مصطلح «الدولة المدنية» نجد أن له دلالة عامة مشتركة تتمثل في الدولة المدنية كمفهوم مجرد تتشارك في فهمه كل الثقافات والفلسفات العامة للدول باختلافها. ومضمونها يقوم على إسناد السلطة السياسية إلى الشعب، وبالتالي، يوجد في السلطة وكيل ممثل فيمن جرى منحه الإنابة عن الشعب، وهو من له حق تعيينها ومراقبتها وعزلها. وهذا نقيض لـ«الدولة الدينية» التي ينفرد بالسلطة السياسية فيها فرد أو فئة من دون الشعب - كجماعة الإخوان - كنتيجة لازمة لانفراد هذا الفرد أو الفئة بالسلطة الروحية (الدينية) دون باقي عناصر المجتمع ومقوماته الأساسية.

كل هذه البداية كان لا بد من توضيحها للوصول إلى أن مفهوم «الدولة»، المختلف تماما عن الليبرالية الدينية والاشتراكية في الحكم، الذي تبنته ومارسته جماعة الإخوان نتج عنه العزل السابق لتلك الجماعة منذ نشأتها، ومن ثم تكرر على مدار السنوات الماضية، وهو ما خلق الثقافة الجديدة التي ولدت إلزاما جديدا بتكرار هذا العزل الآن في ظل حالة من السخط الشعبي واللوم على ثقة أعطيت لجماعة لم تستحق تلك الثقة، بل استمدت «الوكالة» في قيادة مصر إلى الإطاحة والاستحواذ على المقومات الأساسية للمجتمع وتسخيرها لصالح أفكار تلك الجماعة. من هذا المنطلق تمتد الرؤى باختلافها على الرفض المطلق لوجود جماعة الإخوان الآن. وتتباين الآراء اليوم ما بين رافض للوجود الكلي وقابل للوجود الجزئي، وهو أيضا ما صنع المرحلة الراهنة التي تستوجب هذا الإقصاء، بل لا بد من عودة لزمن القوة والحزم في التعامل مع فلول تلك الجماعة.

وهذا ما قد يعيد إلى الأذهان الفترة التي كان فيها حبيب العادلي، وزير داخلية مصر الأسبق لنحو 16 سنة، والتي اتسمت بالاتفاق السري بين الجماعة وبين وزارة الداخلية على سير الأمور بالتوقف عن العمليات والأنشطة المناهضة للسلطة، وإيقاف الذراع الجهادية للجماعة مقابل تركها - أي الجماعة - لكي تعمل بشكل سري في تنمية مواردها المالية والبشرية.

حتى «ثورة 25 يناير» كان لجماعة الإخوان تحفظات وتخوف من نقض هذه الاتفاقية حتى لا تثير غضب وزير الداخلية عليها فيبادر إلى اعتقال قياداتها وإقصائهم مرة أخرى.

اتجاه القيادة «المدنية» في الفترة القادمة سوف يأخذ بهذا الإطار التصاعدي في التعامل معهم. فحتى فكر المراجعة والتحاور والمصالحة منتقض، ولن يجري العمل به لأن فكر الشارع المصري الذي تولد نتيجة المشهد الدامي والعنف المفرط في المظاهرات، حتى إنه ما يكاد يمر يوم جمعة إلا ونرى قتلى وجرحى، ما أدى إلى نمو الحالة الراهنة من الرغبة العزل والمطاردة الشعبية والإقصاء والاستبعاد.

هذا المشهد السياسي الجديد أتوقع أن يستمر لفترة ليست بالوجيزة، بل أتوقع أن يستمر لسنوات. وهذه الفترة المقبلة مرهونة في تقصيرها بالمردود الإيجابي من شباب الجماعة الذي يتأهب الآن لأخذ هذه الراية، ممثلا بتشكيلاته الجديدة والمستحدثة مثل «إخوان بلا عنف» ومجموعات المنشقين عن الجماعة وغيرها من الحركات والائتلافات.

وتبيانا لذلك، فإن المقابلة التي جرت بين مؤسسة الرئاسة متمثلة بالمستشار الإعلامي للرئيس المؤقت وما يطلق عليهم اسم «المنشقين» عن جماعة الإخوان لتأكيد حي وفعلي على أن إلغاء هذا الكيان من الجسد المصري سيصبح الشغل الشاغل. إن مشهد اللقاء والاختلاف فيما بينهم أعطى انطباعا قويا وتصورا بأن التراجع سمة غالبة وجزء من عقيدتهم. ولن ينسى التاريخ مقولة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات عندما أشار إلى «الشباب المغرر به»، ولم يكن يدرك حينها أن المغرر بهم هم من أحيوا فكر الجماعة وتذوقوا لذة الحلم الأكبر لهم للوصول لحكم مصر.

* عضو الهيئة العليا بحزب الجبهة الديمقراطية، عضو المكتب التنفيذي واللجنة السياسية بجبهة الإنقاذ المصرية