هل تصمد تجربة الحكم المدني مع دور سياسي للجيش؟

نعم... ولكن شريطة إدراك كل من الجيش و«الإخوان» حدود التعايش

TT

فوت الإخوان المسلمون في مصر فرصة كبيرة عندما لم ينتهزوا المهلة التي قدمها وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئيس المعزول محمد مرسي خلال الفترة المتاحة للعودة وهي بضعة أيام كما حصل مع الأحزاب الإسلامية في تركيا.

لقد حلت المحكمة الدستورية العليا في تركيا حزب الرفاه الإسلامي بعد انتهاكه المادتين 68 و69 من الدستور التركي، اللتين تحظران النشاطات المعادية للعلمانية من قبل الأحزاب السياسية في يناير (كانون الثاني) 1998، ولأن للحزب أنصارا ومؤيدين حقيقيين وقيادة واعية استطاع أن يتقبل القرار ويؤسس حزبا آخر بكوادر جديدة واسم جديد، وآخر بعد حله مرة أخرى، ومن ثم يؤسس حزبا ثالثا، وأخيرا جرى تأسيس حزب الرفاه والعدالة ذي التوجهات الإسلامية ليفوز بمقاعد البرلمان والحكومة التي يترأسها رجب طيب أردوغان منذ ذلك التاريخ.

كان على قيادة الإخوان المسلمين في مصر وحزب الحرية والعدالة انتهاز هذه الفرصة وتقبل عرض الجيش والقبول بالانتخابات المبكرة إذا ما كانت واثقة من الفوز كحزب أو كرئيس مرة أخرى، وبالتالي المساهمة في إنقاذ مصر من الوضع الحالي الذي أدى إلى حظر الجماعة وحزبها، غير أن العناد وغياب خبرة الحكم التي جلبت هذا الرئيس والحزب على غفلة غير متوقعة له وللآخرين.

في منتدى الدوحة في مايو (أيار) الماضي حذر الكثير من السياسيين المشاركين في المنتدى من عدم استمرار وصمود الحكومات العربية التي تشكلت بعد «الربيع العربي» لسببين: الأول غياب التجربة الكافية لهذه الحكومات في إدارة الدولة المدنية، وغياب القناعة الكاملة والكافية لهذه الأحزاب بمشاركة وتداول السلطة. وقال مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السابق للحكومة الإسلامية في السودان، في المؤتمر متسائلا: ما مستقبل أنظمة «الربيع العربي» في المنطقة؟ وأجاب: إن ذلك يعتمد على قدرتها على إدارة الدولة، وتحقيق المشاركة السياسية والديمقراطية، والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والأمن، والحد الأدنى من الخدمات المعيشية، وآمل أن يجري تحقيق هذه التحديات والتطلعات.

والتساؤل الحالي هو: هل يشكل إبعاد الإخوان المسلمين ضمانة للحكم المدني؟

للإجابة، يجب التفريق بين الإخوان المسلمين كجماعة سياسية حزبية لها جذورها في المجتمع يجب أن يكون لها من الحقوق والواجبات، ومجموعة أو قيادة من الإخوان حصلت على أغلبية بسيطة في انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة وأخفقت في إدارة الدولة وألبت الناس ضد الحزب ورئيس الدولة، وأدت إلى خروج ملايين الناس مطالبين بانتخابات مبكرة لإبعاد رئيس تجاوز في قراراته مطالب الناس وتبدل من قائد لبلد لقائد لحزب.

إن أسوأ قرار اتخذه نور المالكي رئيس وزراء العراق في ولايته الأولى حل حزب البعث وحظره، وهو ما أدى إلى العنف الدائر منذ ذلك التاريخ، وهو ما ستقع فيه الحكومة المصرية الحالي في حظر الحزب بدلا من احتوائه وتطويعه وإلباسه بقيادات وسطية مقبولة ودخوله في الحياة السياسية بشكل سلمي.

إن الأخطاء التي اقترفها حزب الحرية والعدالة واعترف بجزء منها الرئيس محمد مرسي في خطابه الطويل الأخير لا تبرر إقصاء هذا الحزب المتجذر في المجتمع المصري، والذي استطاع أن يمارس دوره بشكل سلمي خلال فترة السنوات السابقة، واستطاعت الحكومات المصرية السابقة لأكثر من عقدين إبعاد الإرهاب عن القاهرة، كما لا يبرر القمع أو الإقصاء أو التهميش من الحياة السياسية للحزب والجماعة.

إن الصراع في الوقت الراهن في مصر بين رؤيتين، ليس بين الجيش والإخوان أو حزب الحرية والعدالة، بل أكثر من ذلك، وهو ما عبر عنه الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه «التفكير في زمن التكفير». كل طرف يريد تحقيق أجندته على الأرض ولكن بفارق بسيط. الأول كسب الطبقة الوسطى التي خرجت في 30 يونيو (حزيران) الماضي منتفضة ضد حكم «الإخوان»، وأخرى آيديولوجية ضد حكم الجيش. والأمر منوط بالأخير إذا ما سلم السلطة وبسرعة للحكم المدني خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة برعاية أممية ومن دون استبعاد أي طرف مهما كان بما في ذلك «الحرية والعدالة».

كذلك يتطلب قبول الإخوان المسلمين بالواقع الجديد والدخول في العمل السياسي الحالي، والحصول على ما يمكن الحصول عليه من مقاعد في البرلمان والمؤسسات المدنية الأخرى من دون تمييز أو استبعاد، مع أهمية الاعتراف بأن ما قام به الجيش يعتبر انقلابا عسكريا مقننا بدعم شعبي، وتجب عودته لثكناته بسرعة وعدم ترشح أي عسكري سابق للرئاسة.

* إعلامي بحريني - شبكة «سي إن إن»