هل تعتقد أن ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة في انتخابات عام 2014 يخدم التجربة الديمقراطية في الجزائر؟

لا... المنتفعون من الدولة الريعية يسعون للفترة الرابعة حرصا على امتيازاتهم غير القانونية

TT

ها هي العهدة الثالثة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة تشرف على نهايتها وقد أقعده المرض المزمن - شفاه الله - وهو يحاول بالكاد الوصول إلى نهايتها. ورغم توفر شروط تطبيق المادة 88 من الدستور الجزائري، التي توجب على المجلس الدستوري بالتنسيق مع غرفتي البرلمان إعلان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية مسبقة؛ فإن النظام التسلطي داس على الدستور، بل وأكثر من ذلك راح حلفاء الرئيس، من أحزاب سياسية وجمعيات المجتمع المدني، يطالبونه بالترشح لعهدة رابعة.

هل يفعلون ذلك لصالح الجزائر، بحجة أن الرئيس بوتفليقة استطاع أن يعيد الاستقرار للوطن، بالقضاء على الإرهاب وإنجاز مصالحة وطنية، وأن يعيد لها هيبتها الدولية، أم أن هؤلاء المنتفعين من الدولة الريعية، قد رفعوا شعار العهدة الرابعة من باب الحرص على امتيازاتهم غير القانونية؟

كان عبد العزيز بوتفليقة، غداة الاستقلال، ضمن «جماعة وجدة» التي اغتصبت السلطة بالقوة، وتولى حقيبة الشؤون الخارجية منذ الاستقلال، واحتفظ بها في عهد الرئيس هواري بومدين. وبعد وفاة هذا الأخير، كان عبد العزيز بوتفليقة يعتقد أنه هو الوريث الشرعي له، لكن المخابرات الجزائرية بقيادة المرحوم قاصدي مرباح أوصلت غيره إلى الحكم. وعلى أثر ذلك عرف بوتفليقة مرحلة التيه التي طالت عشرين سنة (1979- 1999).

بعدها أعادت المؤسسة العسكرية عبد العزيز بوتفليقة إلى الواجهة السياسية، بإيصاله إلى سدة الحكم سنة 1999م، بطريقة كاريكاتيرية ظاهرها انتخاب شكلي وباطنها تعيين. وعندما عاد بوتفليقة إلى سدة الحكم، توسم الناس فيه خيرا، باعتباره مجاهدا، ورجل دولة ذا خبرة مهمة في شؤون الدولة، ولما عاناه من التهميش والتيه لمدة عشرين سنة، لكنه لم يلبث أن خيب آمال الجزائريين المتطلعين إلى بناء دولة ديمقراطية، إذ شرع في تجميع كل السلطات في يده، معلنا أنه هو الدولة. وفي هذا السياق أقدم على غلق الساحة السياسية، عن طريق التضييق على نشاط الأحزاب ومنع تأسيس الجديد منها، وإحكام الغلق على المجال الإعلامي، خاصة السمعي - البصري منه. أما المجتمع المدني فقد حوله إلى امتداد لسلطته، عن طريق خنق الجمعيات المستقلة، مقابل تشجيع الجمعيات المساندة له، وبذلك وجه له ضربة قاصمة ألغت دوره الرقابي، باعتباره سلطة مضادة تحقق التوازن لمؤسسات الدولة.

واتسم عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتكريس النظام الشمولي الذي تجلى في سعيه للبقاء في السلطة مدى الحياة، لذا أقدم على إلغاء المادة 74 من الدستور التي سقفت الفترة الرئاسية بعهدتين اثنتين مجموعهما عشر سنوات، وبذلك قضى على قاعدة التداول على السلطة التي تكرسها الديمقراطية. وألغى أيضا منصب رئيس الحكومة، كما قضى على قاعدة فصل السلطات الضرورية لتوازن الدولة، فصارت المؤسسات الدستورية مجرد هياكل شكلية لا تؤدي دورها الحقيقي. وهكذا اختفى الرأي الآخر المعارض الضروري للتدافع السياسي، وحلت ذهنية القطيع وعبادة الفرد محل الفكر النقدي، فزالت ثقافة الدولة من القاموس السياسي، وما عاد شيء يتحرك خارج «رعاية الرئيس». كذلك صارت في عهد الرئيس بوتفليقة العلاقة بين الدولة والمواطن مبنية على الولاء والطاعة العمياء للاستفادة من الريع، بدل بنائها على «عقد» بين الطرفين يمكن إلغاؤه عند الإخلال بالصالح العام.

من نتائج هذا الحكم الشمولي، انتشار ظاهرة اللاعقاب، وهو الأمر الذي فتح الطريق أمام الفساد السياسي ونهب المال العمومي، وصارت الرشوة سمة بارزة في عقد صفقات المشاريع الكبرى. ومن تداعيات ذلك أن دخل المال الوسخ إلى عالم السياسة، فصار الناس ينظرون بعين السخط إلى الأحزاب، فانهارت السياسة إلى درك التبخيس والتسفيه.

والخلاصة، أنه على الرغم من وفرة المال الناجم عن الريع، عجز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن إحداث انطلاقة تنموية شاملة تحقق للجزائر حياة العزة والكرامة. ومع أنه أنفق طيلة عهداته الثلاث أموالا كبيرة في المشاريع التنموية، فإن غياب المراقبة والمحاسبة قد جعل أقساطا منها تذهب إلى جيوب المنتفعين من النظام.. ثم إن غياب الحرية السياسية والحرية الاقتصادية - وهما صنوان - قد عطل التنمية. وعليه، فإن العهدة الرابعة ستكون - في حالة تحقيقها - عامل تعطيل للتنمية الشاملة الضرورية لتحقيق أماني وانشغالات المواطنين الذين يشكل الشباب نسبة عالية منهم.

* باحث في التاريخ وبرلماني جزائري سابق