هل ترى أن فكرة تعديل الدستور الجزائري المطروحة حاليا مرتبطة حصريا بانتخابات الرئاسة المقررة في ربيع 2014؟

نعم... أي تعديل قبيل موعد انتخابات الرئاسة يأتي لخدمة ضرورات الإدارة السياسية للمرحلة

TT

مسألة تعديل الدستور الجزائري ما زالت موضوع مضاربات سياسية وإعلامية كثيرة.

الواضح الآن أن التعديل العميق الذي يعيد النظر في «الترتيب المؤسساتي وتوازن السلطات» لم يعد ممكنا لأسباب دستورية إجرائية.. فمثل هذا التعديل لا بد أن يعرض على استفتاء شعبي. ولقد انقضت آجال تنظيم الاستفتاء.

في السياق الإجرائي أيضا فإن اللجنة التي نصبها الوزير الأول، بأمر من رئيس الجمهورية قبل مرضه وانتقاله للعلاج في فرنسا، لم يصدر مرسوم رئاسي بتأسيسها مما يجعلها مجرد لجنة ذات طابع تقني وعملها لا يدخل في مسار تعديل الدستور وفقا للمادة 174. لهذا فإن أي تعديل في ربع الساعة الأخير قبل الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن يكون إلا لضرورات الإدارة السياسية للمرحلة أو لا يكون.

لقد راج أن تعديل الدستور يمكن أن يشمل العودة إلى العهدتين وأن يعيد منصب رئيس الحكومة، بل إنه قد ينشئ منصب نائب الرئيس. وهذا يبدو، في بعض التقديرات الجدية، أنه «بيت القصيد»، لأن صحة الرئيس واحتمالات أي تطور في هذا الوضع الصحي قد يطرح مسألة رئاسة الدولة بالنيابة، وهي في دستور 2008 تعود لرئيس مجلس الأمة. ويبدو أنه أمر غير مرغوب فيه في بعض دوائر السلطة والقرار.

أما من الناحية السياسية، فإن منطق السلطة عند الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وممارستها ليس منطقا إصلاحيا، وتعديله الدستور في 2008 أعطى صورة واضحة عن ذلك. كذلك فإن السلطة، ككل، عاجزة اليوم عن أي مبادرة إصلاحية لأن العصب المتحكمة تفضل منطق «احتكار السلطة واحتكار الثروة»، وهو ما يعني أن أوان حل إشكالية السلطة وإشكالية الشرعية، بشكل أخص، مؤجل أو غير ممكن بالأدوات السياسية. ولقد رأينا أن مراجعة قوانين الانتخابات والأحزاب والإعلام لم تحمل ما يمكن اعتباره إصلاحات. كما أن العملية توقفت أو لم يعد لها أي ضرورة، خاصة بعد التطورات التي عاشتها كل من تونس ومصر وما تعيشه سوريا من اقتتال.

لهذا فبوتفليقة غير مستعد للتخلي عن السلطة وغير مستعد للتخلي عن صلاحياته الإمبراطورية الآن! التقديرات تميل اليوم إلى أن الرئيس أقوى سياسيا عن ذي قبل على الرغم من مشاكله الصحية، ولقد «جعل» كل المؤسسات، بما في ذلك الجيش والمخابرات، خاضعة لنفوذه أو أنه أضعف نفوذها كثيرا.

لقد وقفت قوى سياسية وشخصيات مستقلة، سياسية وإعلامية، ضد أي تعديل للدستور في ربع الساعة الأخير. وازداد التوجس من أي تعديل بالخصوص بعد التعديل الحكومي الجزئي الذي قام به الرئيس، حين أوكل كل الوزارات والهيئات التي لها علاقة بالانتخابات لشخصيات من الموالين له، وخاصة وزارتي الداخلية والعدل والمجلس الدستوري.

وبالنظر إلى ما سبق من حيثيات، فإن الرئيس لن يقدم على أي تعديل دستوري إلا في حدود ما هو ضروري لإدارة مستلزمات العهدة الرابعة. إنه التعديل الوحيد الذي ما زال ممكنا دستوريا، إذ يمكن أن «يمرره»! بأغلبية ثلثي أعضاء غرفتي البرلمان، المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) ومجلس الأمة (مجلس شيوخ أو أعيان، وهو يتكون من منتخبين من بين المنتخبين في مختلف المجالس الوطنية والمحلية ومن ثلث رئاسي معين)، فضلا عن عامل الزمن.

من ناحية سياسية أخرى، فإن النظام يعيش مرحلة معقدة، وعلى عكس ما توهم بعض الأخبار أو ملامح المشهد السياسي العام فإن مسائل كثيرة معلقة. النظام الجزائري قام منذ نشأته على «الجماعية في القرار»، فحتى في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي كان قائدا للجيش وزعيما سياسيا معترفا له بالزعامة، ظل النظام يطبق قاعدة «الجماعية» ولو بتأثير أقوى للرئيس. أما بعد الرئيس بومدين فإن «قيادة الجيش» تولت، جماعيا، عملية اختيار الرئيس أو إنهاء مهامه. والأمر تكرر بوضوح كامل مع الرئيس الراحل أحمد بن بلة (1962 إلى 1965)، ثم مع الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد (1979 إلى 1992)، وتكرر أيضا مع الرئيس اليمين زروال (1995 إلى 1998). الرئيس بوتفليقة اليوم يريد أو يعمل على تغيير القاعدة، وذلك أمر يغير ما يسمى «ثوابت الضبط الداخلي للنظام».. وهو أمر مستبعد بقوة.

ومن ثم، فإن تعديل الدستور بعمق، بما يعني حل إشكالية الشرعية وتغيير آليات اتخاذ القرار، أمر دونه اعتبارات سياسية خاصة بالنظام، وأخرى متصلة بغياب طلب اجتماعي سياسي قوي على التغيير.

* إعلامي وكاتب. عمل مستشارا إعلاميا لرئيس الحكومة الجزائرية ما بين 1989 و1992. صدر له في 2011 كتاب «من بربروس إلى بوتفليقة.. كيف تحكم الجزائر؟». يكتب حاليا في جريدة «الخبر» الجزائرية.