هل يجوز القول إن اليمن بات يشكل همّا أمنيا أساسيا لدول الخليج؟

نعم.... كان وسيبقى مصدر همّ وقلق كبيرين.. وأهم دعم يجب أن يكون اقتصاديا

TT

كان اليمن منذ زمن بعيد وسيبقى مصدر هم وقلق كبيرين لدول مجلس التعاون الخليجي. ولقد اضطر المجتمع، وعلى رأسه مجلس التعاون للتدخل عام 2011 لمنع انهيار الدولة اليمنية. ولعبت حكومات دول المجلس حقا دورا محوريا في مفاوضات الانتقال السياسي التي يسميها البعض «المبادرة الخليجية».

لقد ساند المسؤولون الخليجيون الحوار الوطني الهادف إلى إنشاء نظام سياسي أكثر استيعابا وشمولا، وإعادة بناء القوات المسلحة والأمنية بحيث يغدو ولاؤها للدول لا لأفراد أقوياء، وكانت دول المجلس - بفارق ضخم - مصدر الدعم المالي الأكبر الموعود، بمليارات الدولارات، والمرصود للإغاثة الاقتصادية والتنموية والإنسانية.

من المقدّر أن يرتفع تعداد سكان اليمن إلى 30 مليون نسمة بحلول عام 2020، وبالتالي، من غير الممكن بقاء منطقة يعشش فيها الفقر المدقع في شبه جزيرة دولها الأخرى في غاية الثراء.

اليوم هناك عشرة ملايين يواجهون صعوبة كبرى في تأمين لقمة العيش. وكل قوائم المؤشرات الإحصائية الدولية الخاصة بالتنمية تضع اليمن قرب المؤخرة. البطالة في أوساط الشباب عالية جدا، في حين أن عوائد النفط والغاز التي حمت اليمن - أو على الأقل النخبة فيه - في تراجع سريع، بينما يعطل تدهور الأوضاع الأمنية عمليات التنقيب والاستكشاف الجديدة. أضف إلى كل ذلك أن بعض مناطق اليمن ستتعرّض لشح أو نضوب كامل لمواردها المائية خلال عشر سنوات إلى 20 سنة. وعليه، ما لم يتيسر عمل شيء ما ستتفاقم مشكلات اليمن، ومعها الهم الأمني لدول مجلس التعاون.

على صعيد آخر، لا بد من القول إن جزءا من تعاطي المجتمع الدولي مع اليمن مدفوع بنسبة كبيرة بتهديد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وتظهر أبعاد هذا التهديد لليمن في الطريقة التي اعتمدها لاستغلال أزمة النظام السياسية عام 2011، محتلا بضع مدن وبلدات في محافظة أبين. ومع أن مقاتلي التنظيم طُردوا منها، فإنهم ما زالوا ينشطون على شكل خلايا وزمر صغيرة.

تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يعتمد اليوم استراتيجية الاستنزاف المتواصل في مهاجمة المسؤولين الأمنيين، ولديه الطموح لمهاجمة المرافق الاقتصادية. ومن جانبها، تعد الحكومات الغربية أن هذا التنظيم بالذات هو الأخطر بين كل فروع تنظيم القاعدة وتشظياته. ومن طموحاته اليوم تنفيذ هجمات ضد أهداف داخل دول مجلس التعاون وما هو أبعد منها، مع الإشارة إلى أنه أمكن إجهاض ثلاث محاولات من هذا النوع منذ 2009. وكانت الأساليب الدعائية التي طورها أنور العولقي قد ألهمت البعض بشن هجمات إرهابية في الغرب. في غاية الأهمية إلحاق هزيمة نهائية بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب داخل أراضي اليمن قبل أن ينجح بتعزيز قدراته إلى حد يؤهل له معاودة شن هجمات جديدة في الخارج. ولقد علمت التجربة دول مجلس التعاون أن أفضل وسائل مكافحة الإرهاب إعطاء مواطنيها حصة مصلحية كبيرة في الحياة اليومية، ولعل استخدام المملكة العربية السعودية أسلوب الإقناع وإعادة التأهيل في مواجهة «القاعدة» كان بنظر كثيرين خير مثال يُقتدى به في هذه السبيل. وأرى أن دول مجلس التعاون ستحتاج إلى تسخير مزيد من الموارد لمساعدة اليمنيين على إصلاح أنظمتهم السياسية الأمنية والتخفيف من معاناتهم من الفقر والحرمان، وهي المعاناة التي قد تدفعهم إلى أحضان المتطرفين.

مجلس التعاون الخليجي، في ضوء ما تقدم، سيحافظ على دور النشط في مساعدة اليمنيين في السير بالمرحلة الانتقالية، عبر إقناع جميع الأطراف، بالتوافق على تنازلات متبادلة ضرورية، وردع رموز الماضي عن محاولة تدمير ما أُنجز.

أي نظام جديد في اليمن لن يكون قابلا للحياة ما لم يتمكن من التعامل مع ظلامات الجنوبيين ومطامحهم وضمان إيجاد الحلول الكفيلة بإنهاء النزاع المندلع في صعدة والمحافظات المجاورة، التي لامست لفترة قصيرة الحدود السعودية بين 2009 و2010. إن إعادة تنظيم قوات حفظ الأمن لا بد أن يحمي الدولة، لكن سيحتاج إلى دعم إضافي لمواجهة خطر «القاعدة».

لقد كانت دول مجلس التعاون سخية في دعم اليمن، واليوم سيكون بمقدورها لعب دور كبير في خلق فرص عمل، اليمنيون في أمسّ الحاجة إليها. ولكن طبعا يهم الحكومات الداعمة الاطمئنان إلى أن أموالها ستذهب إلى المحتاجين المستحقين، وليس إلى جيوب شبكات النخب المتنفّذة، أو تضيع في غياهب البيروقراطية.

من جهة أخرى، يريد كثير من اليمنيين أن تغدو بلادهم عضوا كامل العضوية في مجلس التعاون، وليس في بعض لجانه فقط. يريدون فرص عمل، ويطمحون إلى مستوى معيشي أفضل، يماثل ما يتمتع به معظم مواطني دول المجلس. وفي المقابل، لأسباب مفهومة، يتردد المجلس في قبول دولة عضو بكثافة سكانية كبيرة وبمشكلات متعددة، كاليمن. غير أن المصالح الطويلة الأجل للدول الأعضاء تقضي بمساعدة الحكومة اليمنية على تأمين الفرص المطلوبة والوظائف المرجوة بشدة، عبر إرفاد الاقتصاد اليمني وتشجيع الشركات الخليجية - وليس فقط تلك التي يملكها ويديرها متحدرون من أصول يمنية - للاستثمار في اليمن.

بطبيعة الحال، هذا قد يستدعي المساعدة أولا على خلق ظروف ملائمة للاستثمار، كالشفافية في اتخاذ القرارات وأجهزة الرقابة القضائية والإدارية الموثوقة. مع الإشارة إلى أنه باستطاعة حكومات دول المجلس وشركاته الخاصة تحسين مستوى التعليم في اليمن، بحيث يُتاح لكل مواطن يمني ومواطنة يمنية اكتساب المهارات والمؤهلات التي يحتاجها اليمن، وتحتاجها دول المجلس.

لقد أنجز اليمن مسيرة طويلة، منذ مطلع 2011، ولكن ما زال أمامه مشوار أطول وأصعب. ومجلس التعاون في أفضل موقع لتقديم العون لمنع اليمن من التحول، ليس إلى همّ أمني فحسب، بل إلى مصدر تهديد أمني أيضا.

* أكاديمي واستشاري بريطاني متخصص بشؤون العالم العربي - رئيس الجمعية البريطانية اليمنية والجمعية الأنجلو - أردنية