أ ثمة توافق عريض لدى الحكومات الخليجية على تقدير الحالة اليمنية؟

نعم.... المطلوب خطوات كثيرة أكبر لضبط خطر حالة «الدولة الفاشلة»

TT

كان لدول الخليج العربي دور فاعل في توفير بنية للحوار الوطني اليمني، وهي العملية التي تسعى لحل التوتر الذي طال أمده والاختلافات بين الفصائل السياسية المتنافسة في اليمن. ويعرف ذلك المسعى بـ«المبادرة الخليجية» أو «مبادرة دول الخليج». وبينما تُمتدح المبادرة من ناحية أنها أنهت عنف معارك 2011 التي اندلعت في صنعاء، وأفسحت المجال لانتقال سلمي للسلطة من الرئيس علي عبد الله صالح إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي، فإنها قصّرت كثيرا، في معالجة مشكلات اليمن السياسية والاقتصادية المتوطنة.

لقد قدمت دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، بالنسبة للسياسة الخاصة باليمن مساعدات مالية لمساعدة اليمن حكومة وشعبا في عدة أشكال، وسعت إلى التأثير على مختلف الأطراف بغية التوصل إلى حل لاختلافاتهم. لكن تلك المساعدة تظل ناقصة، لأن مشكلات اليمن هيكلية بصورة عميقة.

اليمن أفقر بلد في الدول العربية، ويُقارن البلد بحسب معلوماته المتوفرة ببعض أقل الدول الأفريقية جنوب الصحراء تقدما. ومن مشكلات اليمن التي تبدو متوطنة سوء التغذية الشديد والنمو السكاني الانفجاري والبطالة الطبقية ومعدلات الفقر والفساد السائد وسوء الحكم، وكلها آفات تستنفد الموارد الطبيعية بسرعة؛ النفط والغاز والمياه، إضافة إلى المجتمع السكاني المعسكر والمسلح بدرجة كبيرة، والانقسامات السياسية العميقة القائمة على الهوية الإقليمية والدينية، ناهيك من الوجود الكبير والمنظم لمقاتلي تنظيم القاعدة، الذين ينفذون هجمات إرهابية بصورة مستمرة. وفي حين ترغب قيادات نافذة في جنوب اليمن بالانفصال، وتكوين دولة مستقلة، تحكم محافظات أقصى الشمال الحركة الشيعية التي يطلق عليها عادة اسم جماعة الحوثيين، وهؤلاء متشككون بشكل عميق بشأن الحكومة المركزية، ويقعون تحت تأثير إيران بصورة متزايدة.

اليمن باختصار «دولة فاشلة»، وإذا انهار وانزلق إلى حرب أهلية، فإن تداعيات ذلك من حيث اللاجئون والاضطراب السياسي ستتردد صداها عبر جميع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي لها حدود مشتركة مع جارها الجنوبي اليمن يبلغ طولها 1800 كلم.

تهدف سياسة بعض الدول الخليجية الحالية إلى تهدئة فصائل سياسية يمنية معينة، ولا تنخرط في التعامل مع فصائل أخرى، مثل الحوثيين. وهذا الأسلوب لا يتعامل مع اليمن ككيان ذي مشكلات كلية ومنتشرة.

إن كان لليمن أن يصبح بلدا مستقرا على الإطلاق؛ فعلى دول الخليج، بقيادة السعودية، أن تكون أكثر استباقية في عملية تقنع جميع اليمنيين بتحول كبير في سياسات البلد، إضافة إلى توفير فرص العمل المنظمة بعناية لليمنيين في سوق العمل الخليجي. هذه بعض السياسات المحددة التي يمكن تبنيها لدرء المصيبة الوشيكة:

أولا: من المهم أن يكون لدول الخليج روابط اتصال قوية وتكوين تأثير فعلي على جميع الفصائل اليمنية. ويشمل ذلك الحوثيين الذين يجب إقناعهم بترك إيران. ليس ذلك بالصعوبة التي يبدو بها، لأن المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، لها علاقات قوية وراسخة مع عدد من الأطراف اليمنية.

ثانيا: على دول الخليج مساعدة اليمنيين على التوصل لهيكلة سياسية فيدرالية تعالج تظلّمات الجنوبيين الذين يشعرون بأنهم كانوا مُحتَلين ومُهَمشين منذ عام 1994. إلى جانب تنمية الجانب الاقتصادي للجنوب، ويشمل ذلك ضمن عدة أشياء، تطوير ميناء عدن الذي ستثبت أهميته في هذا الصدد، لأن ذلك سينعش اقتصاد الجنوب. وما لم يشعر الجنوبيون بأن لهم نصيبا في اليمن الموحّد، فإن البلد سيتمزق.

ثالثا: على دول الخليج تهميش علي صالح وأفراد عائلته المؤثرين، بالإضافة إلى بعض شيوخ حاشد، بإقناعهم بالخروج من اللعبة السياسة بالمرة. وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن جمال بن عمر قد ذكر بالتحديد أن عائلة صالح تقوض عملية الحوار الوطني للمصالحة، وليست عائلة الأحمر بأحسن حالا.

رابعا: يجب التعامل مع «القاعدة» بطريقة أكثر فاعلية، ولقد أثبتت سياسة الولايات المتحدة باستخدام الطائرات من دون طيار (الدرون) قلة فاعليتها في قتل قيادات «القاعدة»، وحاليا تحظى هذه السياسة بدعم بعض دول الخليج. وبالحكم بالهجمات الأخيرة والهجوم الانتحاري الكبير على وزارة الدفاع في صنعاء، من الواضح أن «القاعدة» لا تزال قوة قوية ومنظمة في اليمن. واستطاع هذا التنظيم الازدهار فقط لأنه حصل على ملاذ آمن بين عدة قبائل في اليمن وبدعمها. ومرة أخرى، لدول الخليج تجربة طويلة في التعامل مع الهيكلية القبلية، ومن الضروري الاستفادة من ذلك في خلق شرخ ما بين القبائل و«القاعدة». يجب تحفيز أقاليم القبائل للانقلاب ضد القاعدة بطرق تشابه تلك التي استُخدمت مع قبائل محافظة الأنبار في العراق خلال الاحتلال الأميركي.

وبينما تدفع كل السياسات المذكورة أعلاه بسياسة اليمن نحو اتجاه أكثر إيجابية، تبقى قضية التخلف الاقتصادي الشديد في اليمن. ولا يمكن معالجة تلك القضية بفاعلية إلا من خلال استثمار دول الخليج في اليمن لخلق وظائف وفرص عمل. ويبقى من الأكثر أهمية إن أمكن فتح أسواق دول الخليج بطريقة منظمة للعمالة اليمنية. ويمكن أن تحل العمالة اليمنية محل العمالة الآسيوية غير الماهرة في دول الخليج، ويبلغ عددها الملايين. فخلال عدة عقود سابقة أثبت اليمنيون أنهم عمال مقدرون ومجتهدون في دول الخليج ولم يسبّبوا خلال أي فترة تهديدا سياسيا محليا. ولذلك فإن إعادتهم لن تشكل خطرا. إن أنجع وسيلة لمساعدة الاقتصاد اليمني هي بالسماح لليمنيين بالعمل في دول الخليج.

لسوء الحظ يبدو أن بعض دول الخليج تتبنى سياسة معاكسة، لأنها تسعى لخلق فرص عمل لمواطنيها، مع أن مواطني دول الخليج لن يشغلوا الوظائف الدنيا التي يشغلها اليمنيون. إن السياسة الحالية باستبعاد اليمنيين ستؤدي إلى المزيد من المعاناة والإحباط في اليمن، وإلى تفاقم الوضع الفظيع أصلا. من الأمور العاجلة أن ترى دول الخليج أن مصيرها مرتبط بمصير اليمن، قبل يقظة متأخرة، عندما ينهار اليمن ويبدأ بتصدير مشكلاته إلى جيرانه.

* أستاذ لشؤون الشرق الأوسط في جامعة برينستون الأميركية