أ ثمة توافق عريض لدى الحكومات الخليجية على تقدير الحالة اليمنية؟

لا.... توجد اعتبارات جغراسية وتفاوت في «المزاج» السياسي رغم الهواجس المشتركة

TT

لا شك أن الأوضاع المتردّية في اليمن تحتل مكانة كبيرة لدى دول منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولكن لدى كل دولة بشكل منفرد أولوياتها واعتباراتها حسب العامل الجغراسي و«المزاج» السياسي السائد، على اعتبار أن هذا البلد الذي حُكم 30 سنة حكما ديكتاتوريا لم يكن يلتفت إلى آمال وتطلعات الشعب اليمني، في الوقت الذي واجه تحديات واضحة كان لا بد أن يتسرب بعضها إلى دول الجوار.

هذا ما أزّم العلاقات السعودية - اليمنية في فترة من الفترات، ومنها تداعيات احتلال العراق لدولة الكويت عام 1990.

وبطبيعة الحال، فإن هاجس انزياح أو تسرّب اللاجئين من أفريقيا عبر اليمن غير المحكومة شواطئه أمنيا، لمنع التسلل نحو السعودية، مثلا، التي تتشارك مع اليمن في حدود يصل طولها نحو 2000 كلم يشكل خرقا للحالة الأمنية غير المحكومة، وفي الحالة ذاتها، في ظل وجود أكبر تجمع لتنظيم القاعدة في اليمن، ولقد طالت عمليات «القاعدة» مناطق عدة في المملكة العربية السعودية.

طبعا، لا يوجد انعدام توافق خليجي على الموضوع اليمني، الذي يبدو أكثر وضوحا في العين الخليجية من الموضوع السوري أو المصري، على سبيل المثال. فلقد كانت المبادرة الخليجية لإزاحة علي عبد الله صالح من الحكم من نتائج الموقف الخليجي الموحّد تجاه اليمن، ولكن من الأهمية بمكان عدم تشتيت الجهود، أو حديث البعض عن «انتصارات» قد لا تخدم كل اليمنيين.

تظل المسألة الوحيدة بيد اليمنيين كي يحددوا مستقبلهم - الذي يبدو أنه غير محدد الملامح - خصوصا بعد تعثر الحوار الوطني، وخروج الرئيس عبد ربه منصور هادي يوم 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتهديد واضح، عبر كلمات «لن نتساهل بالمتاجرة بقضية الجنوب»، في إشارة إلى موقف بعض الأطراف الجنوبية، وانسحابها من الحوار حول عدد الأقاليم، الذي يريده الجنوبيون إقليمين.. بينما ترى الأطراف الشمالية أن يكون خمسة أقاليم.

الرئيس اليمني اتهم دعاة التجزئة بأنهم تارة باسم حق تقرير المصير وطورا تحت شعار إعادة دولة الجنوب «إنما يبحثون عن سراب واهم وعن مصالح ذاتية شخصية وليس عن مصالح عامة ووطنية». وفي هذا مساس بمشاعر الجنوبيين الذين يعتقدون أن الوحدة سرقت ثروتهم ومستقبلهم. ومع ذلك، فنحن نعتقد أن اليمن - بحالته الحالية المستعصية - يحتاج إلى «ديكتاتورية ديمقراطية» تمسك بزمام الأمور ليخرج البلد من أزماته التي تطوح به. وكما نقول في المثل الخليجي: «وين ما يضربها عوجه!».

فالوحدة اليمنية يراها الجنوبيون «فرضا» شماليا - بدعم إقليمي - وإرهابا بحق الجنوبيين، لذا نلحظ «التململ» الجنوبي في «مؤتمر الحوار الوطني»، الذي لم يثبت نجاحا حتى الآن منذ انطلاقته في 18 مارس (آذار) الماضي، وتحوّل الأنظار إلى الدولة الاتحادية، إما بقسمين «شمالي» و«جنوبي»، كما يطالب الجنوبيون، أو بخمسة أقسام، كما يرى الشماليون، ومنهم الحكومة، كما سبق.

هذا ما قامت به لجنة «8 + 8» المنوط بها هذا الموضوع بالذات، حيث واجهت اللجنة شح الوقت وتنافر الرأي حول توزيع الأقاليم والتركة السياسية المرتبكة للرئيس المطاح به. وما ساهم في تعثر الحوار الوطني عدم اتفاق اليمنيين على قضايا آلية السلطة وتوزيع الثروة بعدالة على الأقاليم المحلية والوطنية. كما يطالب يمنيون في الحوار ببحث قضايا المتضررين وتعويضاتهم منذ قيام الثورة الأولى، في بداية الستينات.

وبرأينا، فإن تلك الخلافات فاقمت الوضع مع العامل الاقتصادي المتردّي الذي جعل اليمن في خانة الـ133 من أصل 169 دولة شملها تقرير الفساد، كما وجد «صندوق السلام العالمي» أن اليمن بقي ضمن 60 دولة يعدّها الصندوق «دولا فاشلة»، على الرغم من أن المساعدات الإنمائية التي تدفقت على اليمن بلغت 2.7 مليار دولار في الفترة من 2002 إلى 2009. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2009 وحده بلغت تلك المساعدات 500 مليون دولار، كما أن «مؤتمر الرياض» (فبراير «شباط» 2010) أعلن تخصيص مليار دولار، وهو قيمة التعهد السعودي لليمن، في حين أقر مجلس التعاون تخصيص 3.2 مليار دولار لدعم اليمن.

نحن لا نعتقد بجدوى تدفق هذه الأموال في ظل تلاشي الدولة، واستشراء الفساد، والوضع السياسي المضطرب، وممارسة سياسة الترقيع والحلول الآنية غير المعتمدة على استراتيجيات واضحة (كما قال علي أحمد غزوان في دراسته الموسومة «معوقات التنمية الاقتصادية في الجمهورية اليمنية»). وهناك فوق كل ما سبق النزاعات الفئوية (المواجهة مع الحوثيين و«القاعدة»، وأزمات القبائل و«الحراك الجنوبي») وتزايد جرعات العمليات الإرهابية ضد الجيش وقوات الأمن، بل والسكان الآمنين، والتسلل من الشاطئ الأفريقي والبطالة، كل ذلك يجعل التفاؤل في ارتقاء اليمن عتبات سلم التنمية أمرا محفوفا باليأس. كما أن هناك «توجسا» خليجيا من أثر العمالة اليمنية - التي طُرحت لحل إشكالية الخلل السكاني في دول الخليج، وفي ظل تنامي موجات الإرهاب ونشوء التنظيمات الإرهابية في ذلك البلد.

أخيرا يحتاج هذا البلد إلى «معجزة» لانتشاله من حالته، وإلى «تطهير» من أوضاعه المقلقة، مع عدم إهمال «توجس» الخليجيين من الدور الإيراني في هذا البلد.

* أكاديمي وباحث وإعلامي قطري