في ظل التعقيدات المحلية والإقليمية، هل ستتمكن من إنجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

نعم.... حكومة «الوفاق الوطني» مدخل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي

TT

تعكس التحركات والاتصالات الهادفة لإعادة إحياء ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد مضي تسعة أشهر ونصف الشهر على دورانه في حلقة مغلقة نتيجة الشروط والمطالب المضادة للقوى السياسية، أن عوامل خارجية دفعت نحو التشجيع للبت فيه. ويأتي هذا التطور عبر إعطاء القوى الدولية والإقليمية لحلفائها اللبنانيين «الضوء الأخضر» لطيه في أقرب وقت، حسب ما تدل عليه المواقف الرئاسية التي اتخذت من المناخ الإقليمي الداعم لإنهاء هذه الأزمة اندفاعا لإلزام الأفرقاء بمهلة زمنية لحثهم على التفاهم والتراجع عن الشروط التعجيزية بما يسهل عملية التشكيل.

ولقد بدا واضحا التنازل المتبادل أو «التساهل» من جانب الفريقين المحوريين من قوى «8 آذار» و«14 آذار»، أي رئيس تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي أعرب عن استعداده للمشاركة في حكومة مع حزب الله لكونه حزبا سياسيا له حضوره وحلفاؤه السياسيون على الساحة اللبنانية، متجاوزا شرط انسحاب مقاتليه من سوريا، وكذلك حزب الله الذي تراجع عن تمسكه بصيغة 9-9-6 التي تتضمن الثلث المعطل لصالح قبوله بصيغة 8-8-8، التي يؤيدها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وفق استعادة سابقة الوزير «الملك» الملتبسة، ويتمسك بها رئيس الحكومة المكلف تمام سلام وقوى «14 آذار» على قاعدة صافية. وتعود مواقف سليمان وسلام وقوى «14 آذار» إلى فشل التجربة السابقة «المفخخة» باعتماد الوزير الوديعة للثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) وإدراجها في حصة رئيس الجمهورية. وفي نهاية المطاف استقال ذلك الوزير الشيعي وأسقط حكومة سعد الحريري.

من ناحية ثانية، لا يعني التجاوب المتبادل للأفرقاء الداخليين، وبنوع خاص تيار المستقبل والثنائي الشيعي ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط - الذي ينشط وزيره في الحكومة وائل أبو فاعور بين الأفرقاء لإنجاح صيغة التفاهم للبت في التشكيل - أن حاجة البلاد لحكومة متعددة الصفات كجامعة أو «اتحاد وطني» أو «وفاق وطني» هي التي حفزت هذه القوى للتنازل تسهيلا للتشكيل بهدف مواجهة الاستحقاقات الأمنية المتنوعة، والملفات الاقتصادية والاجتماعية.. إذ إن قوى «8 آذار» كانت تدفع من خلال شروطها لاستمرار حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها رئيسها المستقيل نجيب ميقاتي، حتى تلاقي الفراغ الرئاسي الذي تريده هذه القوى من أجل اتخاذ هذا الواقع منطلقا لإعادة النظر في النظام اللبناني، حسب ما كان أعلنه أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، لدى دعوته الأفرقاء إلى «مؤتمر تأسيسي جديد».

وفي المقابل كانت قوى «14 آذار» تراهن على إقدام رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على تشكيل حكومة «حيادية» لإقصاء حكومة تصريف الأعمال ورئيسها ميقاتي عن السلطة، وخروج وزراء حكومته من سراي الحكومة في حال حصول الفراغ الرئاسي غير المستبعد في حساباتهم، وهذا مع اقتناع بعضهم في الوقت ذاته بأن احتمال توقيع الرئيس سليمان على حكومة «أمر واقع» ليس قويا في ظل اعتراض قوى «8 آذار» العلنية والتهويل برد فعل يعبر عن رفضها لها.

بناء عليه، فإن تجاوب المستقبل والتحالف الثنائي الشيعي والتقدمي الاشتراكي، أتى في ظل مناخ دولي وإقليمي داعم له. وهو ليس بعيدا عن النتائج الأولية للواقع المستجد في التقارب بين الجمهورية الإيرانية وبين الدول الست التي وقعت معها الاتفاق بشأن الحد من برنامجها النووي في موازاة رغبة متبادلة بين واشنطن وطهران في تعزيز التعاون بينهما على أكثر من صعيد، وعمدت من خلاله الأخيرة لإظهار نياتها بدفع حليفها حزب الله للتراجع عن شروطه. وهذا مع ربط تكتل التغيير والإصلاح الذي يرأسه العماد ميشال عون بحجم حصته الوزارية ونوعية الحقائب، وتشترط القوى المسيحية في «14 آذار» لدخول الحكومة اعتماد «إعلان بعبدا» – القاضي بابتعاد لبنان عن المحاور الإقليمية - مضمونا للبيان الوزاري والتراجع عن ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة».

وعلى ضوء ذلك، تكمن في طيات الدفع الدولي الإقليمي غير الفاضح هذه المرة لتشكيل الحكومة، حسب ما عكسته بوضوح إيجابيات الحلفاء المحليين، إشارة واضحة لإبقاء لبنان خارج التطورات الإقليمية بتداعياتها السلبية، وهو أمر ليس خافيا. ولقد دلت عليه المواقف الدولية في محطات سابقة، فالحكومة الجامعة في المنطق الدولي الإقليمي معناها ضبط الواقع اللبناني ووضعه تحت المراقبة وإجلاس الأفرقاء وجها لوجه على طاولة مجلس الوزراء للتحاور إلى حين انجلاء الواقع الإقليمي. لكنه في الوقت ذاته يشكل تهيئة للظروف تسهيلا للانتخابات الرئاسية، لكون هذا الاستحقاق الدستوري على مدى محطاته كان نتاج تفاهم خارجي.. باستثناء التمديد لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود، الذي شكل تحديا للمجتمع الدولي واللبناني، وقوبل برفض كان واضحا في مدرجات القرار الدولي 1559.

إن حكومة «الوفاق الوطني» إذا ما تشكلت قد تكون بداية وضع الاستحقاق الرئاسي في «غرفة العناية» الدولية التي تدفع في اتجاه ولادة هذه الحكومة، ذلك أن الفاصل الزمني بين حسم ملف التشكيل - إذا ما حصل مع العقبات المرتقب أن تواجه البيان الوزاري - وبين بداية موعد المهلة الدستورية التي تبدأ في 25 مارس (آذار) لانتخاب رئيس جديد للجمهورية أو «اختياره»، قد يحمل تطورات من شأنها أن تنعكس سلبا على هذا الاستحقاق في حال تبدلت الظروف القائمة حاليا.. إذ قد لا يأتي رئيس جديد للجمهورية من نتاج التوافق الخارجي، ومن شأن هذا أن ينعكس على الواقع الحكومي شللا أو استقالة فريق أو اعتكاف آخر. من جهة أخرى، قد تحمل الاندفاعة التي حفزت القوى على تسهيل التشكيل وإنجاز الاستحقاق الرئاسي واستدراك الفراغ نظرا للرغبة الخارجية، توجهات داخلية للقوى السياسية للانضواء في حكومة «وفاق وطني» قد تنسحب عليها في المحطة الرئاسية لانتخاب رئيس من خارج المحاور، وذلك ما دام ثمة توافق خارجي بإبقاء لبنان خارج التأثيرات المباشرة لتجاذبات المنطقة، وتحاشي ربط ملفه بأحداث المنطقة، وبخاصة الأزمة السورية، مع ترقب مؤتمر «جنيف 2».. وما قد ينتج عنه من آثار على سوريا وعلى المنطقة ككل.

* رئيس تحرير موقع «الكلمة أون لاين»